عقد مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي اجتماعا طارئا يوم الثلاثاء الماضي، خفض خلاله أسعار الفائدة بمقدار 0.5 في المئة إلى نطاق 1 - 1.25 في المئة. وتأتي تلك الخطوة وسط المخاوف المتزايدة من أن تفشي فيروس كورونا قد يهدد النمو الاقتصادي الهائل الذي تشهده الولايات المتحدة حالياً.

وصرح رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد قبل اجتماع المجلس في واشنطن يوم الثلاثاء: «لقد أقدمت أنا وزملائي على اتخاذ هذا الإجراء لدعم الاقتصاد الأميركي، حتى يتمكن من الحفاظ على قوته في مواجهة مخاطر جديدة قد تؤثر سلباً على آفاق النمو الاقتصادي».

Ad

وأضاف باول: «أدى تفشي فيروس كورونا إلى جلب تحديات ومخاطر جديدة»، حيث تعرّضت وول ستريت للضغوط وانخفضت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى أدنى مستوياتها التاريخية، ووصلت إلى أقل من 0.7 في المئة.

ولم تنجح الخطوة الطارئة التي اتخذها «الاحتياطي الفدرالي» لخفض أسعار الفائدة في تقديم الدعم المرجو للدولار، حيث تراجع مقابل اليورو وتجاوز الزوج مستوى 1.1300 الذي لم نشهده منذ يونيو 2019، في حين يتحرّك الين الياباني حول مستوى 105.00 مقابل الدولار، واخترق الجنيه الإسترليني مستوى 1.3000.

وعلى الرغم من أن خطوة «الاحتياطي الفدرالي» ربما جاءت بدافع تقديم سياسات تيسيرية مبكرة وحازمة لبعث الطمأنينة في نفوس المستثمرين، فإنه عوضاً عن ذلك دلت على مدى المخاوف التي يواجهها.

تأرجح شديد لأداء أسواق الأسهم

وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، شهدت الأسهم الأميركية أضعف أداء لها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث أدت أنباء تفشي فيروس كورونا إلى تلاشي ثقة المستثمرين.

هذا في الوقت الذي يبلغ فيه سعر فائدة «الاحتياطي الفدرالي» حاليا 1 في المئة فقط، بينما اقتربت اليابان وأوروبا من الحد الأقصى للتدابير التيسيرية، بما لا يترك مجالا أمام البنوك المركزية الكبرى حول العالم للتصرف إذا لزم الأمر.

وكان رد فعل الأسواق سلبيا على الإجراء المفاجئ بخفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وإن كانت هناك بعض بوادر الانتعاش التي بدأت تظهر، بعد أن أقر مجلس النواب الأميركي حزمة تمويل طارئة بقيمة 8.3 مليارات دولار يوم الأربعاء الماضي.

وتهدف الحزمة إلى تعزيز تصدي الولايات المتحدة للفيروس وتطوير العلاج اللازم. إلا أن هذا الانتعاش لم يدم طويلاً، مع الأسف، حيث عاودت الأسهم أداءها السلبي واتخذت مسارا متراجعا يوم الخميس.

بيانات إيجابية لسوق العمل

وأظهرت بيانات الوظائف غير الزراعية ومعدلات البطالة بعض المعنويات الإيجابية تجاه الاقتصاد الأميركي، حيث أظهرت أن أرباب العمل في الولايات المتحدة حافظوا على وتيرة توظيف قوية في فبراير، بما ساهم في توفير دفعة قوية لتعزيز الاقتصاد في مواجهة فيروس كورونا.

وأظهر التقرير زيادة عدد الوظائف غير الزراعية بمقدار 273 ألف وظيفة في فبراير بما يتخطى التوقعات البالغة 175 ألف وظيفة.

كما تراجعت معدلات البطالة أيضاً من 3.6 بالمئة في يناير إلى 3.5 بالمئة في فبراير، بينما ارتفع متوسط الدخل في الساعة بنسبة 0.3 في المئة.

خفض أسعار الفائدة يلوح في الأفق

في المملكة المتحدة، يراهن المستثمرون على قيام بنك إنكلترا بخفض سعر الفائدة إلى مستويات قياسية استجابة للتهديدات التي يتعرّض لها الاقتصاد جراء فيروس كورونا. وفي أعقاب قيام «الاحتياطي الفدرالي» بخفض سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية بصورة طارئة، تحركت الأسواق نحو توقّع اتخاذ خطوات مماثلة بخفض أسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية إلى 0.5 بالمئة في اجتماع لجنة السياسة النقدية لبنك إنكلترا المقرر عقده في 26 الجاري.

وأشار محافظ بنك إنكلترا مارك كارني إلى أن البنك المركزي سيكون على استعداد لخفض أسعار الفائدة والسماح للبنوك باستخدام «أموال الطوارئ» لتخفيف تأثير تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد البريطاني.

من جهة أخرى، صرح أندرو بيلي، الذي سيخلف كارني في 16 الجاري، بأنه سيتصرف بسرعة للحد من الآثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس.

«صدمة سلبية شديدة»

اضطر محافظ بنك كندا، ستيفن بولوز، الذي قاوم خفض تكاليف الاقتراض لسنوات عديدة، تاركاً أسعار الفائدة في البلاد ضمن أعلى المعدلات على مستوى الاقتصادات المتقدمة، إلى التراجع عن ذلك التوجه، وسط ضغوط انتشار فيروس كورونا وتأثيره السلبي على النشاط الاقتصادي ودفعه إلى الانخفاض بشكل حاد، إضافة إلى تراجع أسعار السلع، مما دفع بنك كندا إلى تيسير سياسته النقدية للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، حيث خفض البنك سعر الفائدة لليلة واحدة من 1.75 إلى 1.25 في المئة، وأعرب المسؤولون عن استعدادهم للعمل مجددا على خفض أسعار الفائدة إذا لزم الأمر.

«المركزي» الكويتي ونظراؤه في المنطقة على خطى «الفدرالي»

على صعيد الكويت، قرر مجلس إدارة بنك الكويت المركزي أن يحذو حذو «الاحتياطي الفدرالي» وخفض سعر الخصم من 2.75 إلى 2.5 في المئة. وفي بيان صادر عن البنك، صرح محافظه د. محمد الهاشل بأن تلك الخطوة تأتي في إطار إجراءات احترازية تتطلبها دواعي التحوط لأي تداعيات قد تطرأ نتيجة لتفشي فيروس كورونا.

وفي ختام كلمته، أكد الهاشل أن «المركزي» يتابع بيقظة التطورات الاقتصادية العالمية ويرصد انعكاساتها على أداء الأسواق المحلية والقطاع المصرفي، مبينا أن البنك لن يتردد في اتخاذ التدابير المناسبة على صعيد تطبيق أدوات السياسة النقدية والرقابية لترسيخ دعائم المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي. من جهة أخرى، اتخذت السعودية والإمارات خطوات مماثلة وخفضت أسعار الفائدة الرئيسية.

وأوضح بيان صادر عن البنك أن الاقتصاد «أظهر أداء قريبا من التوقعات فيما يتعلق بمستهدفات التضخم، إلا أن تفشي الفيروس يمثّل الآن صدمة سلبية شديدة فيما يتعلق بأداء الدولار الكندي والاقتصاد العالمي.

كما أضاف البيان أنه أضحى من الواضح أن الربع الأول من عام 2020 سوف يعكس المزيد من الضعف في أداء الاقتصاد إلى حد يفوق التوقعات التي تبناها البنك المركزي في وقت سابق.

وعلى الرغم من توقّع الأسواق لتلك الخطوة منذ الأسبوع الماضي، إلا أنها توضح تغيرا ملحوظا عن الأسبوع السابق عندما بلغت توقعات خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس نسبة 30 في المئة فقط. ومن المقرر أن يعقد بنك كندا اجتماعه المقبل في 15 أبريل.

الاقتصاد الصيني تحت وطأة الضغوط

يرزح الاقتصاد الصيني تحت وطأة الضغوط على خلفية تفشي فيروس كورونا في ظل ضعف جانبي العرض والطلب وتعطيل سلاسل الإمدادات، حيث تراجعت قراءة مؤشر مديري المشتريات الصناعي إلى 35.7 نقطة، بينما سجل مؤشر مديري المشتريات غير الصناعي 29.6 نقطة.

وتشير المستويات التي تقل عن 50 نقطة إلى انكماش الاقتصاد، بما يدل على مدى تأثر ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم جراء تفشي الفيروس.

وقد تسبب المرض في إغلاق عدد من المدن لعدة أسابيع متتالية في ظل فرض الحكومة إجراءات الحجر الصحي على نطاق موسّع لاحتواء انتشار الفيروس، الأمر الذي أدى إلى تراجع حاد في النشاط الاقتصادي.

من جهة أخرى، صرحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم الاثنين بأن الفيروس «يزج بالاقتصاد العالمي إلى أسوأ تراجع له منذ الأزمة المالية التي ضربت العالم في عام 2008». وخفضت المنظمة توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي إلى 2.4 في المئة مقابل 3 في المئة، حسب التوقعات السابقة في نوفمبر الماضي. وترى المنظمة أنه في حال واصل الفيروس انتشاره، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد ينخفض إلى 1.5 في المئة للعام الحالي.

«الاحتياطي الأسترالي» يخفض سعر الفائدة

خفض البنك الاحتياطي الأسترالي معدل الفائدة الرسمي بمقدار 25 نقطة أساس إلى مستوى قياسي جديد بلغ 0.50 في المئة خلال جلسة أمس، في ظل اعتبارات التحوط ضد مخاطر تفشي فيروس كورونا.

وتمثّل تلك الخطوة المرة الرابعة التي يقدم خلالها «الاحتياطي الأسترالي» على خفض أسعار الفائدة في أقل من عام، وذلك وسط مخاوف من تعرّض السجل الحافل لاقتصاد أستراليا الذي شهد أداء قياسيا ودام على مستوى 28 عاما دون التعرض لخطر الركود لبعض التحديات.

ويتوجه ثلث صادرات أستراليا إلى الصين، وتجري الجزء الأكبر من صفقات التبادل التجاري مع الدول الآسيوية، الأمر الذي يضعها في وضع قد يجعلها عرضة لأي تباطؤ في اقتصاد الصين.

وصرح محافظ البنك المركزي فيليب لوي بأنه من المحتمل اتخاذ المزيد من الإجراءات، قائلا: «من المتوقع أن يؤدي تفشي فيروس كورونا على مستوى العالم إلى تعطيل مساعي أستراليا للوصول إلى المستويات المستهدفة على صعيد سوق العمل ومعدلات التضخم، وأكد أن المجلس مستعد لتبني السياسة النقدية التيسيرية بشكل أكبر لدعم الاقتصاد الأسترالي».