الليبيون يستحقون المساعدة لتحقيق السلام!
انتفض الليبيون خلال الربيع العربي في عام 2011 ضد نظامهم الدكتاتوري، كانوا يحلمون بإقامة دولة مدنية وديمقراطية، وقد أعلنت الأمم المتحدة حينها أن دعمها لهذا البلد يهدف إلى فرض "وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا، تزامناً مع إنهاء الاعتداءات الراهنة ضد المدنيين".بعد مرور تسع سنوات على تلك الأحداث، تدعو الأمم المتحدة اليوم إلى وقف إطلاق النار لوضع حد لحملة سفك الدماء التي أطلقها خليفة حفتر، أحد أعوان الزعيم معمر القذافي سابقاً، غداة جهوده العسكرية الرامية إلى منع الحكومة المعترف بها دولياً من إرساء الديمقراطية، لكن يكمن الفرق اليوم بوقوف الأمم المتحدة مكتوفة اليدين طوال عشرة أشهر.لم تحرك الأمم المتحدة والقوى العالمية ساكناً في حين حوّلت الدول الخارجية ليبيا إلى ساحة معركة لخوض حروب بالوكالة، فيتم التعامل مع حفتر وكأنه طرف متساوٍ مع الحكومة الليبية الشرعية ويأمل البعض أن ينفذ وعده ويطبّق اتفاق وقف إطلاق النار، لكن لن يتوقف إطلاق النار بشكلٍ دائم طوعاً. يسعى حفتر وشركاؤه الخارجيون، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ومصر، إلى السيطرة على ليبيا بأي ثمن.
لطالما كررت القوى العالمية أن الحل السياسي وحده يستطيع إرساء سلام دائم، هذه الجهات محقة طبعاً، لكنّ التوصل إلى ذلك الحل يفرض عليها أن توقف مسايرتها لحفتر، لا يمكن أن نسمح للتاريخ بأن يعيد نفسه مراراً وتكراراً على أمل أن تتغير النتيجة.كنا نُركّز دوماً على إنهاء أعمال القتل والدمار في ليبيا، ولهذا السبب سافرنا إلى موسكو وشاركنا في عملية السلام كلها في برلين، لكن لا بد من الاعتراف بالحقائق في مرحلة معينة، حان الوقت كي يتخذ الأعضاء المسؤولون في المجتمع الدولي قراراً حاسماً بالتعاون حصراً مع الليبيين الملتزمين ببذل الجهود اللازمة للوصول إلى نهاية سلمية للجحيم الذي يعيشه الليبيون منذ وقت طويل، وحان الوقت كي يتوصل مجلس الأمن إلى إجماعٍ طال انتظاره لإصدار قرار بتفعيل الاتفاقيات المبرمة في برلين.في فبراير الماضي أقرّ مجلس الأمن قراراً يُفترض أن يدعو إلى وقف إطلاق النار ودعم نتائج مؤتمر برلين، يهدف هذا القرار إلى إطلاق حوار ثلاثي الأبعاد، مما يعني أن يغطّي المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، لكن كان رد حفتر فورياً: خلال أقل من 24 ساعة، أصرّ على خرق الهدنة، فقصف مناطق في جنوب طرابلس حيث قُتِل أربعة أشخاص على الأقل واستهدف المطار أيضاً. أحدثت حرب حفتر أضراراً لا تُحصى على مستوى الاستقرار الاقتصادي والنسيج الاجتماعي في ليبيا. حتى أنها أجّجت مشاكل الهجرة في أربع دول أوروبية شريكة، وأدت إلى عودة "داعش" وجماعات إرهابية أخرى تطرح مخاطر جدّية ما وراء الحدود، وزادت اضطراب أسواق النفط العالمية، لا سيما بعد وقف إنتاج النفط شرقاً بقرار من حفتر، ومن المتوقع أن تتوسع هذه التهديدات إذا تصاعد الصراع وطالت مدته.يجب ألا ننسى أن ليبيا تتمتع بإمكانات هائلة، ويمكننا أن نعالج المشاكل التي نواجهها اليوم بالوسائل السياسية، وبما يفيد المجتمع الدولي أيضاً، فلدينا شعب شاب ومتعلم وموارد طبيعية وافرة، كذلك يتمتع البلد بموقع استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، ويقع بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، لكن تتوقف أي رؤية إيجابية بشأن ليبيا على ما سيحصل بعد اتفاق برلين.كلما تساهل العالم مع اعتداءات حفتر ومواقفه العدائية أصبح أي مستقبل ديمقراطي واستقرار إقليمي هدفاً بعيد المنال.نحن نريد السلام فوراً! من حق الليبيين أن يعيشوا في دولة ديمقراطية تخلو من التهديدات والمخاطر، ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تثق حكومة الوفاق الوطني بقدرة المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات مسؤولة.* طاهر السني* «ريل كلير»