لا تحكم من هذا العنوان على التعصب الموروث في تاريخنا، فهذا المرض الفتّاك يصول ويجول على امتداد تاريخ البشرية.

لكنّ قصتي اليوم ستُظهر لكم جانباً من تعصّب الملكة هنريت الفرنسية الكاثوليكية التي تزوجت ملك بريطانيا شارل الأول، ولم يكن كاثوليكياً، بينما هي كانت متعصبة لمذهبها ولفرنسيتها، فهي بالرغم من أنها ملكة على بريطانيا، فقد كانت تبغض كل ما يمتّ إلى إنكلترا بصلة، حواراتها كلها بالفرنسية، ثيابها فرنسية، زينتها فرنسية، أغانيها فرنسية، طعامها فرنسي، خمورها فرنسية، حتى ألفاظها النابية تطلقها بـ "الفرنسية"، فضلاً عن تعصّبها الشديد لمذهبها الكاثوليكي، الذي جعلها ترفض أن تتوج ملكة على بريطانيا في كنيسة غير كاثوليكية.

Ad

***

• كان زوجها شارل الأول ملكاً ضعيفاً، بل إنه عندما علم أن لزوجته الفرنسية علاقة سريّة مع الأسقف الكاثوليكي الذي يتلقى اعترافاتها، لجأ إلى وزيره بكنام لكي يناقشه في ذلك الموضوع، فاقترح عليه الوزير:

- يا صاحب الجلالة لنطلب من الفاتيكان سحب هذا الأسقف.

- ألا يعد ذلك مخالفاً لشرط إعطاء الملكة حريّة العبادة؟

- يا صاحب الجلالة، إن أعضاء البرلمان يتبرّمون من تصرّفات الملكة.

- تعني يعلمون بعلاقتها المشينة بالأسقف؟

- بل إنهم يقولون إنها تنقل الكاثوليكية إلى بريطانيا.

***

• وبعد أن أنجبت ولي العهد، أصرّت ذات يوم على حضور إحدى جلسات البرلمان، فتصدى لموكبها الملكي بعض أهالي لندن وتصايحوا:

"يا صاحب الجلالة إنها عدوة الشعب البريطاني، كيف تسمح لها بحضور البرلمان؟ نحن لا تحكمنا كاثوليكية فرنسية"!

وتجاسر أحد باعة الخضار، فقذف العربة الملكية بالطماطم... فقُبض على الرجل وحُكم عليه بالسجن سنتين.

***

• فثارت ثائرة هنريت حينما علمت بالحكم:

- عامان لإهانة التاج البريطاني؟ عامان لهذا المجرم الذي قذفني بالطماطم؟... أيُّ قضاء هذا؟

- يا زوجتي العزيزة القضاء البريطاني حارس أمين على حريّات الشعب.

- أنا الملكة، ومن حقّي الاعتراض على هذا الحكم.

***

• طلبت من القانونيين في القصر إصدار الحكم التالي على بائع الخضار:

"نحن شارل الأول ملك بريطانيا نقضي بإلغاء الحكم الصادر على المتهم جورج برين، ونحكم عليه حكماً غير قابل للاستئناف بما يلي:

أولاً: يُعدم جورج برين على خازوق في ميدان ويستمنستر.

ثانياً: يقوم الجلاد قبل وضعه على الخازوق بصلم أذنيه وجدع أنفه، ثم قطع ساقيه وذراعيه.

ثالثاً: يبقى على الخازوق إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم يُقطع رأسه وتُدفن أشلاؤه في جبانة الصدقة".

***

• وكانت نتيجة تصرفات هذه المرأة أن قام كرومويل بثورة في بريطانيا، لكنها هربت إلى هولندا، ولما بلغها إعدام الملك قالت:

- كم تمنيت لو كنت الجلّاد الذي فصل رأس هذا الكافر عن جسده.

• فقاتل الله التعصب والذين يتعصبون!