● كان ديوانك الأول "في تشييع صديقي... الموت" سنة 2004... كشاعر كيف تنظر إلى الموت؟

Ad

-بدأت علاقتي بالموت كوحش حاول أن يخطف أمي، لكنها تمكنت من الانتصار عليه، رغم أنه أخذها إلى العالم الآخر، وهو ما عبّرت عنه قصيدة "في تشييع صديقي... الموت" التي كتبتها إثر وفاة والدتي في صيف، وتتجلّى فيها فكرة تشييع الموت بالانتصار عليه عبر الخلود في تفاصيل المكان، والذوبان في قلب الأرض بألفة واندماج وتصالح، وربط ذلك بالثقافة الشرقية العريقة المتجذرة في بلادنا منذ آلاف السنين.

وقد استمرت هذه العلاقة ملتبسة، فكانت قصيدتي "ارتعاشات على جسد الخريف" التي تحمل مجموعتي الشعرية الثانية عنوانها، الصادرة في عام 2007 وتقرأ هذه العلاقة من زاوية رؤية أوسع، وبخاصة مع تنامي الإخفاقات على المستوى القومي، وانسداد منافذ الضوء والطموح أمام الشعب العربي بأخذ مكانته التي تليق به، وهي علاقة تنامت فلسفياً في المجموعة الأخيرة الصادرة عام 2019 بعنوان "حضن الأفول"، ابتداءً من توظيف أسطورة "بعل وموت" الكنعانية، ورحلة "عناة" في البحث عن فقيدها وعودته، وصولاً إلى مآلات الغياب بمفهومه الصوفي والتصالح، ولعل في عناوين المجموعات كعتبات نصية مفاتيح لهذه العلاقة التي يمكن أن تتوضح عبر القصائد.

● للقصيدة روح وصوت، كيف تنامى صوت القصيدة لديك منذ بداية التجربة وصولاً إلى آخر دواوينك؟

-لعله تنامى كوسيلة تعبير عن تلك الروح المتدفّقة، والتي ربما لا تعرف، لكنها تحاول دائماً أن ترى، وأن تبحث عن مكانها وكينونتها في هذا العالم، وهذا الصوت الذي بدأ غنائياً بمسحة رومانسية، على خطى الأصوات المهيمنة في الشعر العربي، حاول أن يخفف من الضجيج في سبيل التعبير عن أغوار النفس وتلافيفها الداخلية، حاول أن يقرأ تعابير الكائنات في الطبيعة المتجلية في الصمت الملتبس والمغوي، وهو صمت خادع، لأنه يعبّر عن أصوات عميقة تختلط وتتدافع، وعليك أن تصغي كثيراً لتتمكن من النفاذ إليها.

حجب الشعر

● كونك شاعراً وفي الوقت نفسه ناقداً، متى ترى أعمالك الإبداعية بعين الناقد؟

-أترك نفسي للقصيدة في البداية تفعل فعلها في روحي التي تنجلي وتتكشف وتحاول احتواء حجب الشعر وأسراره،وفي جسدي الذي يتفجّر محبة وتواصلاً مع لغة الشعر وانعطافاتها المدهشة، في المرحلة التالية لابدّ من "التحكيك" وإعادة الصياغة والتشذيب، فنحن أمام روح من خارج عالم الماديات، ويجب تقديمها بلغة التواصل الإنساني. وقبيل النشر النهائي في كتاب لا بدّ من قراءة جديدة متمعّنة في النصوص التي ستغدو مِلكاً للعالم، هنا عليك أن تعيد النظر في بعض التفاصيل، أو توضِّح ما غَمُض، من دون أن تُفقد النصّ روحه البكر المتفجرة التي وُلدت معه، وإذا لم يمارس الناقد عمله بكفاءة على نصّه، فكيف له أن ينظّر وينظُر في نصوص الآخرين!

● برأيك، متى ينتهي الصراع المتجدد دوماً بين الشعر العمودي وقصيدة النثر؟

-الشعر العمودي تعبير عن الماضي، والحديث، سواء أكان يتضمن إيقاعات خارجية باذخة أو موسيقى داخلية هادئة، يعبّر عن المستقبل وما دام العرب يعيشون الماضوية فسيبقى هذا الصراع متجدداً وفي اللحظة التي ينتقلون فيها إلى الحاضر، ويحاولون أن يصنعوا المستقبل سيغدو الشعر العمودي تراثاً ناصعاً عظيماً يشكل الأسس العميقة لثقافتنا لكنه لا يهيمن عليها وهذا الصراع لا يقتصر على الشعر،إنه يتجلّى في مفاصل الحياة العربية كلها،هناك أصوات طاغية تعيش في الماضي وتريد له أن يهيمن على الحاضر،ويقابلها من يعتزّ بهذا الماضي لكنه يرغب بولوج المستقبل.

عنوان المقالة

● بوصفك من مبدعي الشعر الحداثي وأنصاره، أيهما أهم: الإيقاع أم المعنى؟

-"بين الإيقاع والمعنى" هو عنوان المقالة التي افتتحت بها كتابي "البنية الفكرية في القصيدة"، والذي تضمن قراءات في نصوص من الشعر العربي قديمه وحديثه، من باب الانفتاح على النص الشعري العربي الإبداعي بغضّ النظر عن زمن كتابته وإذا كان النص الشعري مجرداً من معناه لا قيمة له، فإنه من دون إيقاع ليس شعراً أصلاً،ولا يمكن في هذا المقام تفضيل طرف من طرفي المعادلة على الآخر،لأنها في حال فقدت أحد طرفيها تفقد كونها معادلة أصلاً.

ولادة مدهشة

● متى تحجّر القلم في يدك واستعصت عليك القصيدة؟

- لست ممن يستعجلون القصيدة، أنا أترك لها وقتها كي تنضج وتكتمل وصولا إلى تدفقها،الذي يكون عادة لحظة ولادة مدهشة،فإذا ما ملكتني ودفعتني لأن أخطّها فعلت طائعاً بارتعاش ولذة وكنت أفعل ذلك في بداياتي مرة واحدة، خلال ساعة أو أكثر قليلاً وأما فيما بعد فقد صار الأمر يستمر أياماً بعض الأحيان ولا أتحدث هنا عن مرحلة المراجعة و"التحكيك"، بل مرحلة الخلق الأول التي تشبه لقاءً بالعشب في صحراء قاحلة، أفرح وأحلّق وأنا أرفع البناء إلى أن يكتمل.

مرجعيات القصيدة

● ما الذي تعكف على كتابته الآن؟

-لدي حالياً مشروعان،يتناول أولهما الشعر العربي الحديث من خلال نماذج متنوعة في الوطن العربي، في محاولة قراءة شعرية البساطة والتفاصيل بعد اهتمامي في كتبي الثلاثة الأخيرة بمرجعيات القصيدة وذاكرتها الثقافية أما الثاني فأطمح فيه إلى دراسة الرواية العربية في العشرية الثانية من هذا القرن، وفي سبيل ذلك أنقطع للقراءة وإنني فعلياً أقرأ أكثر مما أكتب، لأصل إلى المرحلة التي تؤهلني إلى أن أقدم نتاجاً ذا جدوى.