يمثل تفشي فيروس كورونا تهديدا متزايدا للاقتصاد المصري، تزداد به الضغوط على السياحة والتجارة وصادرات الغاز، بعد الإخفاق منذ فترة طويلة في تنشيط الاستثمار الخاص.

وأشاد محللون بما نفذته مصر من إصلاحات مرتبطة ببرنامج قرض قيمته 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، جرى الاتفاق عليه في 2016، وتضمن خفض قيمة العملة بنحو النصف، وتقليل دعم أسعار الطاقة واستحداث ضريبة القيمة المضافة.

Ad

وتعني تلك التغييرات أن عددا كبيرا من سكان مصر، البالغ عددهم نحو 100 مليون نسمة، يجدون صعوبة في تدبير معيشتهم في وقت جاهدت البلاد لدعم القطاع الخاص واستقطاب استثمارات كبيرة خارج صناعة الغاز.

ويقول المحللون إن انتشار الفيروس يجعل مصر، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على السياحة، عرضة للخطر، وكذلك فإن تراجع حركة التجارة العالمية قد يضر بإيرادات قناة السويس التي بلغت 5.7 مليارات دولار في 2019.

وأعلنت مصر رصد 59 حالة إصابة بالفيروس، بينها 45 حالة على متن مركب سياحي في نهر النيل بمدينة الاقصر، التي تعد المعابد الفرعونية فيها من أهم عوامل الجذب السياحي، وتوفي سائح ألماني من المصابين بالمرض.

وأشار اقتصاديون إلى ان تداعيات الفيروس على الاقتصاد قد تكون كارثية في أسوأ الأحوال، وقال أنجوس بلير، رئيس مركز سيجنت البحثي لتوقعات الأعمال والاقتصاد، «نحن في خضم حدث. إنه لا يزال في حالة تطور».

ومن المرجح أيضا ألا يكون لانخفاض أسعار النفط أثر يذكر، إذ إن قيمة واردات مصر من المواد البترولية البالغة 15.5 مليار دولار تعادل فعليا ما تحصل عليه من صادرات القطاع، وهي من الغاز في الأساس.

غير أن بلير قال إن تحويلات العاملين في الخارج، التي تبلغ 25 مليار دولار سنويا، قد تنخفض إذا خفضت دول الخليج، أكبر سوق للعمالة المصرية في الخارج، أحجام مشروعاتها.

وأوقفت بعض الدول الخليجية رحلاتها الجوية إلى مصر، واشترطت على المصريين المسافرين إليها الحصول على شهادة تثبت خلوهم من كورونا. وحدث تزاحم شديد في مقر الحصول على الشهادات بالقاهرة الأحد الماضي.

وفي يناير، أشارت تقديرات الحكومة إلى أن معدل النمو سيبلغ نحو 5.9 في المئة في السنة المالية التي تنتهي في يونيو المقبل، و6 في المئة في 2020-2021، وهي تقديرات تتفق مع تقديرات الاقتصاديين. وتعول مصر على ارتفاع النمو لاستيعاب 700 ألف مصري يدخلون سوق العمل كل عام في السنوات الخمس المقبلة، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

ولفت بعض الاقتصاديين إلى ان خلق وظائف كافية يتطلب أن يكون معدل النمو السنوي في حدود 7.5 في المئة. وقال فاروق سوسة، الاقتصادي الأول في «غولدمان ساكس»، «يبدو أن المخاطر النزولية كبيرة جدا. ويبدو أن من المرجح جدا أننا بصدد الدخول في سيناريو نزولي».

وأضاف: «إذا حسبت انخفاضا بنسبة 50 في المئة بحركة السياحة في شهور مارس وأبريل ومايو ويونيو فمن المرجح أن يعادل الضرر الواقع على نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو نقطتين مئويتين» في السنة المالية 2019-2020، متابعا: «لذا سينتهي بك الحال إلى نمو في حدود 3.5 في المئة».

قطاع السياحة هو أول القطاعات التي تشهد علامات على التراجع. وكان هذا القطاع قد انتعش بعدما لحق به من أضرار شديدة من جراء الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم حسني مبارك في 2011.

وقال كريم المنباوي، رئيس شركة إمكو للسياحة في مصر، إن أعداد السياح الذين ألغوا حجوزاتهم حتى نهاية يونيو محدودة، لكن فترتي الخريف والشتاء قد يلحق بهما ضرر كبير، مضيفا: «نحن نتلقى 10 في المئة مما كنا نتوقعه للربع الأول من العام المقبل». ويتم الحجز في العادة قبل 6 إلى 8 أشهر من موعد الرحلات.

وزادت إيرادات السياحة إلى مستوى قياسي بلغ 12.57 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في يوليو الماضي، واستمرت الإيرادات في الزيادة بالربع التالي يوليو - سبتمبر، إذ سجلت أحدث الأرقام المنشورة من البنك المركزي 4.19 مليارات دولار، محققة أفضل أداء فصلي لها على الإطلاق.

هشاشة الاقتصاد

وقال تيموثي قلدس، الباحث الزميل غير المقيم بمعهد التحرير، «فشل المسؤولين المصريين في تعزيز نمو قطاع خاص قوي، وهو النمو الذي انكمش كل شهر تقريبا منذ صفقة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، يزيد هشاشة الاقتصاد المصري، ومن الخطر على صحة الاقتصاد في هذه الفترة المقبلة». وتابع قلدس: «الاستهلاك ضعيف وكان عقبة أمام انتعاش القطاع الخاص قبل ذلك. وسيزيد فقدان الوظائف بسبب تراجع السياحة هذا الأمر، كما أن هبوط التحويلات يعني انخفاض القدرة الشرائية لكثير من الأسر المصرية أيضا».

ومن أبرز علامات الاستفهام ما إذا كان المستثمرون سيواصلون التدفق على مصر التي كانت أثيرة لدى المستثمرين في الأسواق الناشئة منذ صفقة صندوق النقد الدولي، وذلك إذا تضررت مصادر الدخل الرئيسية لديها.

وقال ريتشارد هاوس، المسؤول عن استثمارات الديون بالأسواق الناشئة في «ألايانس غلوبال إنفستورز»، إن مصر كانت تلقى إقبالا من السوق، وإن السياحة كانت موردا كبيرا للدولارات، لذا فإن أثر الفيروس سيكون كبيرا.

وأضاف هاوس: «لكن عليك استثمار مالك في شيء ما، ومصر لا تزال قصة مناسبة. ما يقلقني هو أن أستثمر المال في سندات بالعملة المحلية، لأن هذه الأسواق الناشئة لا تتمتع بسيولة كبيرة».