كنت أسير مؤخراً في شارع إيست التاسع والعشرين في مانهاتن، بعد زيارة أحد الأصدقاء في مستشفى بلفيو، عندما قَـطَـع حبل أفكاري صُـراخ رجل أبيض في منتصف العمر في وجه رجل صيني مسن: "اخرج من بلدي أيها الصيني الحقير!" أصيب الرجل المسن بالذهول، وأنا أيضا انتابتني الدهشة لوهلة، قبل أن أجأر ردا عليه "مستخدما كامل نطاق مفرداتي اللغوية الأسترالية الأصلية": "اغرب من هنا واتركه وشأنه أيها العنصري الأبيض القذر".

توقف المارة، واندفع نحوي شاب أبيض البشرة داكن الشعر، ولأنني لست ملاكما بالسليقة والتدريب، فقد استجمعت قواي ترقبا لما قد يحدث، توقف الشاب بالقرب مني وقال: "شكرا لك لأنك نصرته، لهذا السبب قاتلت في العراق؛ حتى يتسنى للناس من أمثاله أن يعيشوا أحرارا".

Ad

بعيدا عن تاريخ حرب العراق المؤلم، يُـعَـد مرض فيروس كورونا 2019 تذكرة صارخة بأن الأوبئة العالمية، مثل تغير المناخ، لا تحترم أي حدود سياسية، ومن المرجح أن تتكرر التجربة التي مرت بها الصين مع الفيروس في يناير وفبراير في قسم كبير من العالم في مارس وأبريل، وسنشهد اختلافات في أعداد الإصابات بعدوى الفيروس، اعتمادا على عوامل لا يمكن التحكم فيها أو تقديرها مثل درجات الحرارة، والمتانة النسبية لاختبار الصحة العامة والأنظمة العلاجية، ومستويات مختلفة من المرونة المالية والاقتصادية، وينبغي لنا أن نستعد بتعقل لهذه الحالات الطارئة، لا أن نستسلم لذعر لا عقلاني، ناهيك عن ممالأة ومناصرة قوالب نمطية عنصرية.

يذكرنا هذا الفيروس مرة أخرى بأن أي شخص أو بلد من غير الممكن أن يشكل جزيرة منعزلة بذاتها، ومع ذلك، فشل القادة السياسيون في كبح جماح العنصرية المستترة بصعوبة والمتأصلة في بعض الاستجابات الشعبية لتفشي المرض حتى الآن، ففي الحافلات والقطارات والشوارع في مختلف أنحاء العالم، كان الآسيويون، وخصوصا الصينيين، عُرضة لذلك النوع من الإساءة الذي كنت شاهدا عليه، والآن وقد ضرب الفيروس إيطاليا، فهل يأتي الدور على الإيطاليين؟

كان من المذهل أن نشهد الغياب العام للتضامن والتعاطف مع الشعب الصيني والحنو عليه، وخاصة أولئك في ووهان، الذين احتملوا بصبر وجَـلَـد جحيما حيا، تُـرى كيف قد يكون أداء مانهاتن، أو لندن، أو سيدني، أو تورنتو، أو برلين، أو باريس، أو دلهي في ظل الظروف ذاتها؟ إن عدم الاكتراث بمعاناة الآخرين لا يقربنا على الإطلاق من تنظيم استجابة عالمية فعّالة لأزمة عالمية مؤكدة.

كان بوسع الولايات المتحدة أن تتواصل بسهولة مع القيادة الصينية لتأسيس فريق مشترك رفيع المستوى للتصدي لفيروس كورونا في وقت مبكر، وبدعم من تعبير شعبي للغاية عن التضامن الإنساني فوق السياسة، ولكن بدلا من ذلك أصدرت الإدارة تصريحات تهاجم النظام السياسي الاستبدادي في الصين، وتحث المستثمرين الأميركيين ومديري سلاسل الإمداد على اللجوء إلى الولايات المتحدة، صحيح أن الولايات المتحدة، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة كانت على مسار تصادم استراتيجي مع الصين، وأن العداوات السياسية الطبيعية ستستأنف بمجرد انتهاء الأزمة، ولكن في الوقت الحالي، لا تشكل حالة الحرب خيارا سياسيا واردا، إنها مجرد موقف، ولا تساعد في حل المشكلة.

من ناحية أكثر إيجابية، يجري التعاون المؤسسي والمهني تحت السطح، وأيا كانت أوجه القصور التي تعيب منظمة الصحة العالمية، فإنها الأداة الرسمية للحكم العالمي في ما يتصل بالتعامل مع الأوبئة. وينبغي لأولئك الذين هاجموا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بشأن مدى فعالية المنظمة أن يتأملوا طويلا القوانين الدولية التي تحدد صلاحياتها، إذ يقتصر عمل منظمة الصحة العالمية على تقديم إشعارات استشارية دولية حول تحرك الفيروس، والمشورة السريرية والفنية للحكومات الوطنية حول كيفية التعامل معه، وفرز وتصنيف الطوارئ في الأماكن حيث لا توجد بنية أساسية صحية، وربما يصبح هذا الواجب الأخير ضروريا إذا وصل الفيروس إلى أشد مناطق العالم فقرا، كما حدث مع أزمة الإيبولا في الفترة بين 2013 و2016 في غرب إفريقيا.

كما يساهم انهيار مستويات التمويل في تقييد منظمة الصحة العالمية، وفي هجومه على "العولمة"، يرى اليمين السياسي في سحب تمويل المؤسسات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة شارة شرف، ويعتبره رمزا قويا لسحق "اليساريين"، ولكن عندما يُـسـحَـب تمويل مؤسسات أساسية تتقوض فعاليتها، ومع عليك أن تسأل برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة اليونيسيف، ووكالة غوث اللاجئين في الأمم المتحدة، فجميعها تناضل لتغطية نفقاتها، وفي حالة منظمة الصحة العالمية، فقد أصبحت معتمدة على المساهمات من المنظمات الخيرية مثل مؤسسة غيتس والتعهدات الطوعية.

من ناحية أخرى، في خضم الأزمة الحالية، اقترحت إدارة ترامب خفض مساهمة حكومة الولايات المتحدة الأساسية في منظمة الصحة العالمية من 123 مليون دولار الآن إلى 58 مليون دولار فقط في العام المقبل.

بالإضافة إلى منظمة الصحة العالمية، يجب أن نكون شاكرين للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها وشبكتها من المؤسسات الشقيقة في مختلف أنحاء العالم (بما في ذلك في الصين)، كان العاملون المهنيون في هذه المنظمات يتعاونون لتحليل الفيروس، وتوقع الطفرات المحتملة، وتطوير اللقاح، وكل هذا على الرغم من البيئة السياسية السامة.

ينبغي لنا أن نكون شاكرين أيضا للشركات الدولية (ومنها الأميركية) الطبية والصيدلانية وغيرها من الشركات التي كانت تقوم في صمت بتوريد الأقنعة والقفازات والأردية وأجهزة التهوية وغير ذلك من الإمدادات الحيوية للصين.

على الرغم من هذه الجهود، تحيط بالعالم في الوقت الحاضر أزمة ثقة واضحة، ترجع جزئيا إلى فقدان الثقة في القيادات الوطنية والعالمية، وينعكس هذا في حالة الذعر العام وتقلب الأسواق المالية، لماذا لا تدعو الولايات المتحدة إلى اجتماع طارئ لوزراء الصحة والمالية ورؤساء الحكومات في مجموعة العشرين؟ ليس بالضرورة أن يُــعـقَـد هذا الاجتماع على المستوى الشخصي؛ بل يمكن إدارته من خلال سبل الاتصال على الإنترنت، بالشراكة مع الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.

وهذا من الممكن أن يُـفضي بسرعة إلى إنتاج إطار سياسي متفق عليه- والتزامات مالية جادة- في الاستجابة للوباء، والواقع أن مجموعة العشرين، التي تمثل عشرين من أكبر الاقتصادات في العالم (تجاوزت حالات الإصابة بفيروس كورونا في العديد من دول مجموعة العشرين في المئة)، في وضع يسمح لها أيضا بوضع استراتيجية مالية واقتصادية لمنع الركود العالمي.

لن تتعافى الثقة العالمية إلا عندما يرى عامة الناس والأسواق أن الحكومات حريصة على التصدي للأزمة في جهد جماعي، وهذا ما حدث في أبريل 2009، عندما نجحت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها مدينة لندن في كبح حالة الذعر من الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008، وأقامت الأساس اللازم للتنسيق، وأنشأت إطارا للسياسة العامة والمالية لتحقيق التعافي في نهاية المطافن ففي غياب الجهود المتعددة الأطراف، ستواصل البلدان فرادى صياغة مسارات خاصة بها ببساطة، مما يؤدي بالتالي إلى تأخير التعافي.

في أوقات الأزمات الدولية، يُـعَـد اللجوء إلى ورقة القومية أسهل أشكال السياسات الداخلية وأكثرها فظاظة، ولكن عندما نفكر في الأمر بترو وعقلانية وهدوء سيتبين لنا أن هذا النهج لا يحل أي مشكلة، والتنسيق العالمي الفعّال وحده القادر على حل المشكلة.

*كيفين رود

* رئيس وزراء أستراليا الأسبق، والرئيس الحالي لمعهد السياسات التابع لجمعية آسيا في نيويورك.