الدولة العثمانية ودورها المفقود في الجزيرة العربية
مازال الكثيرون من عالمنا العربي يمجدون الدولة العثمانية، ويحلمون في عودتها، لكنها أحلام اليقظة التي لن تتحقق ولن يجني أصحابها سوى الشفقة والدعاء لهم بزوال هذا العارض بمعرفتهم للحقيقة المؤلمة. الدولة العثمانية لم تختلف كثيرا عن دولة المماليك في استراتيجية الدولة ونمط الحكم، ولم تكن دولة فتوحات لنشر الإسلام والدعوة له كما هي الحال بالأمويين، ونلاحظ أن الدولة العثمانية لا تتوغل في كامل مساحة البلاد الإسلامية، وكانت تركز على المناطق ذات المردود الاقتصادي أو ذات المناخ المعتدل.وكانت البلاد العربية بالنسبة إلى الدولة العثمانية تمثل الفناء الخلفي ودورها يرتكز على إمداد الجيش بالجند أو دفع الإتاوات للدولة، والمسوقون لفكرة "الخلافة العثمانية" في وقتنا الحالي يركزون على أعمال الدولة العثمانية في أوروبا، وكأن باقي البلاد الإسلامية في هامش الجغرافيا أو سقطت من صفحات التاريخ.
جغرافياً كانت مساحة الدولة العثمانية أقل بكثير من مساحة كل من الدولة الأموية أو الدولة العباسية في أقصى اتساع وصلت لها كل منها، وأخذت الدولة العثمانية من المسلمين أكثر مما أعطتهم، ولا يوجد جامعة عثمانية واحدة في الجزيرة العربية، فضلا عن مستشفى أو حتى مسجد، ولنتساءل بعد خمسة قرون من الحكم العثماني، كم مسجدا قامت ببنائه الدولة العثمانية في الجزيرة العربية؟ وكم مكتبة؟ وكم عالما أنفقت عليه ليتفرغ للبحث العلمي أو للتدريس كما حصل بشكل خاص في الدولة العباسية؟ وكم عالماً قامت بخدمته ورعايته كما حصل لعلماء الإسلام الأوائل في الدولة الأموية؟ للأسف لا يوجد، وهي تدعي أنها حامية حمى الإسلام والمسلمين في أغلب البلاد الإسلامية. قبل أكثر من قرن حصلت مجاعة عمت الجزيرة العربية بالكامل، فتبرع أهل السودان والصومال حينها لأهل الحجاز، أين كانت هذه الدولة العثمانية؟ وقد تستغرب أن أتاتورك غيّر أحرف الكتابة العربية إلى اللاتينية، لكن الدولة العثمانية غيرت لغة الأمة الإسلامية من اللغة العربية إلى اللغة التركية.ولم تستخدم الدولة العثمانية اللغة العربية لغة القرآن في مراسلاتها الرسمية، وللأسف أتباعها العرب يعيبون على أتاتورك ليل نهار أنه غير أحرف الكتابة التركية وهي قسمة ضيزى لا عدالة فيها.هل تعلم عزيزي القارئ أن الأمة الإسلامية تأخرت عدة قرون علمياً بسبب الدولة العثمانية التي منعت إدخال الآلات الطابعة، وعندما أدخلتها متأخرة لم تسمح لغير اليهود في العمل عليها.ونلاحظ أنهم من خلال تاريخهم وأسلوب حكمهم لم يتمكنوا من كسب ود الشعوب بسبب استغلالهم في موضوع التجنيد، وأخذ الإتاوات والمكوس من قوت الشعوب الإسلامية الفقيرة، وهذا مغاير لما حدث في زمن الدولة الأموية والعباسية، حيث كان الإنفاق والصرف للزكاة والصدقات يبدأ في البلد نفسه، وما فاض يرسل للبلاد الأفقر أو يرسل لبغداد أو دمشق.قمت بكتابة هذا الموضوع المختصر بسبب تضخيم دور الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي من بعض الكتاب العرب حديثاً، وكأنها وفرت للمسلمين الزمن الأقدس أو العهد الملائكي، وهو في حقيقته لم يحتوِ إلا على الظلم للمسلمين، وتجاهل لمناطق الفقر والجوع والمرض للشعوب الإسلامية، وخصوصاً العربية، فالموضوع طويل ومتشعب ولا يحتمل إيراد الكثير من التفاصيل، وهذه بعض جوانب تاريخ الدولة العثمانية باختصار أعتقد أنه مفيد.