عبدالوهاب الملوح: أعتبر نفسي محظوظاً مقارنة بأبناء جيلي

أصدر ديوانه «كتدبير احتياطي» وكتابه «على مرتفعات اليأس»

نشر في 16-03-2020
آخر تحديث 16-03-2020 | 00:03
كزهرة بريَّة تفتحت في الجنوب التونسي، نشأ الشاعر عبدالوهاب الملوح بمدينة قفصة، وفاح رحيقه الإبداعي في جميع البقاع التونسية والعربية، حاملاً ملامح مدينته، التي توصف بالمدينة المنجمية، لما تملكه من آثار وتراث وحضارة، فتعددت منابعه الأدبية، ليكتب الشعر والرواية والمسرحية، ويخوض مجال الترجمة.
صدر له حتى الآن 9 مجموعات شعرية، و4 مؤلفات في الترجمة، وروايتان، وكتاب في الدراسات، إضافة إلى عدة مسرحيات.
ورغم رحلته الطويلة لايزال يرى أن أمامه مشروعات لم ينجزها بعد. وحول منجزه الإبداعي، وتنوع كتاباته، ومسيرته، ومشروعاته، التقته «الجريدة»، وكان الحوار التالي:
• ما منطلقاتك التي اعتمدت عليها تجربتكم الإبداعية الثرية؟

- المنطلقات الأساسية لتجربتي، أراها مكونات أساسية لأي تجربة عربية وغربية، قديمة وحديثة، ولكل مَن يعمل في الشعر بجدية، تعتمد على المدونة العربية النقدية التراثية، بدءا من الجاحظ والجرجاني وابن رشيق وكتابات المتصوفة. وفي الوقت نفسه، لا يمكن غض النظر عن أعمال أرسطو الأولى، بعدها تأتي المدارس النقدية الحديثة الغربية، سواء في فرنسا أو روسيا أو إنكلترا، وفتحت لي هذه القراءات الباب واسعا، لمعرفة الكثير من التجارب في الكتابة والفن عموما.

وينبغي القول إن الفن كلٌ متكامل، فلا فرق بين النحت والفن التشكيلي والسينما والأدب، فكل هذا يصب في قناة واحدة، والتي تتمثل في الجمالية.

أزمة الشعر

• واكب الشعر العربي تطور الشعر الغربي في نصوصه ومفاهيمه، من خلال المدارس الشعرية المختلفة، لكنه تراجع أمام الرواية، فما الذي أصاب الشعر العربي؟

- كان ومازال الشعر لجمهور مخصوص، بخلاف بعض الفنون الأخرى. نعم، حظيت الرواية باهتمام كبير لعدة اعتبارات يمكن إرجاعها عموما إلى مزاجية ذوق القارئ، الذي يبحث عمَّا هو سهل سريع الالتهام غير عسير الهضم، عكس الشعر، الذي يتطلب ترويا وتركيزا وتفكيرا. الشعر لم يتراجع، هو يراوح مكانه، رغم ما يعانيه اليوم من الشعراء ذاتهم، ومن الناشرين، ومن قلة اهتمام الجامعيين.

بناء الصورة

• أعمالكم تتميز ببراعة بناء الصورة وتغرق في الفلسفة وأسئلتها العميقة، كيف تستطيع توليد كل هذه الصورة في نصك المختزل؟

- جوهر الشعر قائم على توليد صورة تخيلية مفارقة غير مكررة، وهذه الصورة هي الدينامو الإيقاعي للقصيدة، والقصيدة التي تنعدم فيها الصورة هي نثر إنشائي في الدرجة ما دون الصفر.

ولعل أهم موتيفات بناء هذه الصورة، هي التخيل في تعالقه مع المعرفة والإدراك، هذا الثلاثي الجبار الذي بإمكانه أن يستنبط الجمال من القبح.

«كبابيل الآخرة»

• اقتحمت عالم الرواية، عبر الحضور الكبير الذي حققته في الساحة السردية برواية "كبابيل الآخرة"، هل رأيت في كتابة الرواية مساحة أكبر للفضفضة واكتشاف عوالم الشخصيات من حولك؟

- "كبابيل الآخرة" ليست هي عملي الروائي الأول، فقد سبقه عمل آخر بعنوان "منذ"، نال جائزة كومار بتونس سنة 2006.

ليس عندي تجزئة في كتاباتي، ولا أؤمن بنظرية الأجناس الأدبية، فالكتابة كتابة، كيفما تشكلت، لكن أحيانا قد يغلب عليها الطابع السردي الحكائي، وأحيانا أخرى تأتي في أسلوب تجريدي.

عموماً "كبابيل الآخرة" حار الكثير في تصنيفه، بل ذهب البعض إلى اعتباره رواية شعرية. وأحترم كل الآراء حوله، فهو خاضع لكل التأويلات، وقد سمح لي هذا العمل بتجريب تعدد الأصوات من حولي، وتنامي ظلالها، بما يكشف عن ذوات مختلفة في الذات الواحدة.

«بنت الواقع»

• إلى أي مدى عكست الرواية الحديثة هموم الواقع العربي؟

- استطاعت بعض الروايات العربية الحديثة التعبير عن الواقع العربي، من خلال استلهام بعض وقائعه، أو استعادتها، أو تحليلها. وهناك تجارب روائية استطاعت أن تغيِّر حتى في عقلية القارئ، وبالتالي تنتج قارئا مختلفا واعيا ومتبصرا، فأعمال الياس خوري وسليم بركات وإسماعيل فهد إسماعيل وإبراهيم الكوني وغيرهم تُعد أعمالا عملاقة في هذا السياق، لجدة أساليبها، وقوة وعمق دلالتها.

مهد الحضارة

• قفصة، مدينة النشأة والعلم والأصالة والطقوس الدينية، هل لك أن تقربنا من طبيعة تمثلك الإبداعي للمدينة؟

- قفصة، مدينة بالجنوب الشرقي التونسي، وهي مهد الحضارة القبصية منذ أكثر من 6000 سنة قبل الميلاد، وكانت في وقت ما إحدى عواصم الإمبراطورية البيزنطية وعاصمة دولة بني الرند، وقال عنها البكري هي مدينة قديمة أزلية، بناها هرقل بدموعه، وهي مدينة منجمية، بما جعلها منطقة توتر دائم ضد السُّلطات، سواء الاستعماريين الغرب القدامى، أو الاستعماريين الجُدد من سكان البلد، وهي رمز التمرد ومقاومة كل أشكال الظلم والطغيان، لذلك فهي تعاني التهميش إلى اليوم، وهي موجودة في كل كتاباتي.

فكرة قائمة

• "حجاب" و"نوعشية" و"كلام الريح" و"غرائب"، الحائزة جائزة أفضل نص بمهرجان قربة للمسرح، أين مكانة المسرح من اهتمامك؟

- المسرح كتابة أدبية في الأصل، وأقدم فكرة قائمة على الحوار وعلى التضاد في الأصوات والحركات، ويدخل ذلك ضمن أفق رؤيتي للكتابة كورشة مفتوحة لا جدران لها، والمسرح شأنه شأن الشعر والقصة والرواية، هو كتابة إبداعية.

المشهد التونسي

• كيف تقرأ الواقع الثقافي التونسي الآن؟

- هناك تراجع كبير على مستوى أداء المؤسسات الثقافية، دور الثقافة مهجورة، المكتبات العمومية قلَّ روادها بشكل ملحوظ، الكثير من قاعات السينما أغلقت، بعض المحطات الثقافية، أو ما يُسمى ملتقيات، صارت ذات طابع مناسباتي صداقاتي لا تقدِّم أي إضافة، لكن لا أنكر بعض المجهودات الشخصية للكثير من المهتمين بالشأن الثقافي على مستوى إبداعهم. فهم يشتغلون بصمت، ويقدمون أعمالا مبهرة.

المتابعة النقدية

• كيف ترون المواكبة النقدية لتجربتكم الإبداعية؟

- ربما أعتبر نفسي محظوظا، مقارنة بأبناء جيلي، فليس هناك عمل أصدرته إلا وأثار النقاد، وكتبوا عنه، سواء سلبا أو إيجابا.

• ماذا عن أحدث مشاريعك المستقبلية؟

- بعد صدور ديواني "تدبير احتياطي" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، صدر لي أخيرا كتاب "على مرتفعات اليأس"، وهو مترجم عن إيميل سيوران، وهناك العديد من المشروعات المسرحية لاتزال طي الكتابة.

جوهر الشعر قائم على توليد صورة تخيلية مفارقة غير مكررة
back to top