من ينبغي له أن يقود الكفاح من أجل العدالة العالمية؟

في مأدبة عشاء خاصة أقيمت أخيرا في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي لمناقشة تغير المناخ، افتتحت عالِمة الرئيسيات جين جودل الإجراءات بإلقاء نداء التحية العام الشائع بين قِرَدة الشمبانزي في متنزه جومبي الوطني في تنزانيا، وهي الحيوانات التي كانت موضوع عمل حياة هذه العالِمة، وبأصوات بسيطة قليلة، أكدت جودل على الطبيعة الشاملة التي تميز أزمة المناخ، إذ يؤثر التهديد الذي يفرضه تغير المناخ على كل كائن حي على كوكب الأرض، حتى إن لم يكن الجميع مدركين لهذا التهديد بعد.

كما لاحظت جودل في كلمتها، أن البشر يشكلون جزءا من صميم قضية تغير المناخ: فقد أحدثه البشر، والأذى الناجم عنه يلحق بالبشر، والبشر هم القادرون على معالجته، ويصدق الشيء ذاته على العديد من التحديات العالمية الأخرى، من الفقر المدقع إلى أزمة اللاجئين، فالمشكلة هي أن الأشخاص الأعظم قدرة على معالجة المشكلات العالمية ليسوا هم الأشخاص نفسهم الذين ساعدوا في إحداثها وحسب، بل هم أيضا آخر من يلحق بهم الأذى بفِعلها.

كانت هذه هي الحال مع العنف في إقليم دارفور في غرب السودان، فعندما كان عمري سنة واحدة فقط، اضطرت أسرتي إلى الفرار، فوجدت الملجأ أولا في اليمن، ثم في الولايات المتحدة عبر يانصيب التأشيرة، وفي غضون عشر سنوات، تحول الصراع إلى إبادة جماعية، فَـقُـتِـل مئات الآلاف من البشر، واضطر ملايين إلى النزوح، وتأثر بالأحداث ملايين آخرون بأشكال أخرى لا حصر لها.

تمكنت القوات الحكومية وحلفاؤها من الميليشيات، المعروفة باسم الجنجويد، من ارتكاب هذه الفظائع والإفلات من العقاب، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى التكتيك الذي يبدو مألوفا اليوم: وصف القصص حول الفظائع بأنها «أخبار كاذبة»، فقد دأب أصحاب النوايا الحسنة وغير الحسنة على حد سواء على التحدث بلا انقطاع عن الأشخاص الأكثر تضررا، في حين لم يكن هناك وجود في الصدارة لأولئك الأكثر تضررا.

عندما يُـلفَظ الأشخاص الأكثر ضعفا وعُرضة للخطر على نحو مستمر إلى محيط المناقشة، يصبح من الأسهل كثيرا التقليل من أهمية المشكلة ومدى إلحاحها، وقد ارتُـكِب خطأ مماثل في السودان في العام الماضي، عندما قاد شباب شجعان احتجاجات واسعة النطاق ضد نظام عمر البشير، وكللت جهودهم بالنجاح: فقد أطيح بالبشير الذي حكم السودان طوال ثلاثين عاما، وربما يُـسَـلَّم إلى المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة الاتهامات بارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور، ولكن عندما تُـرِك الأكثر ضعفا يدافعون عن أنفسهم ضد الأكثر قوة في الاحتجاجات، فَـقَـد كثيرون حياتهم دون داع، بما في ذلك ابن عمي محمد الذي لم يكن عمره يتجاوز الخامسة عشرة.

كانت وفاته مثل وفيات كثيرة تالية، من الممكن منعها تماما، لقد حطمني أنا وأسرته بالكامل أن نعلم أن الأكثر شبابا بيننا ما زالوا يموتون بعد عقود من الكفاح من أجل حياتنا.

وتتجلى الديناميكية ذاتها بوضوح في الكفاح العالمي ضد قوى مثل الفقر، والتحيز ضد الإناث، وتغير المناخ، فلنتأمل هنا أزمة اللاجئين: يبلغ عدد النازحين حاليا 70.8 مليون نازح في مختلف أنحاء العالم- وهو أعلى رقم في التاريخ المسجل- ولا يُـبـذَل من الجهد إلا أقل القليل لحمايتهم.

هذه ليست اضطرابات قصيرة الأجل، بل على العكس من ذلك، يظل 78% من اللاجئين في حكم اللاجئين لمدد تتجاوز خمس سنوات، وبعضهم لفترة قد تصل إلى عشرين عاما، وتولد أجيال كاملة وسط الصراعات وعدم الاستقرار، ويضطر المنتمون إلى هذه الأجيال إلى إيجاد منازل لهم في بلدان جديدة إذا حالفهم الحظ، وربما يذوون في معسكرات اللاجئين المكتظة بهم لو خانهم الحظ، وفي ظل هذه الظروف، بات من المستحيل تقريبا الوفاء بتعهدات التعليم الجيد، والفرصة الاقتصادية، وظروف المعيشة الصحية، التي تضمنتها أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

إن أهداف التنمية المستدامة، التي حظيت بموافقة 193 دولة في عام 2015، من الممكن أن تعمل على تغيير هذه الحال، فتساهم بشكل كبير في تضييق فجوات التفاوت العالمية وتحسين مستويات المعيشة بحلول عام 2030، لكن الجهود المبذولة لتنفيذ أجندة أهداف التنمية المستدامة تفشل إلى حد كبير في إشراك الأشخاص الأشد معاناة، وليس من المستغرب، مع انعزال أولئك الذين يفترض أنهم يقودون هذه الجهود عادة عن تجارب العالم الحقيقي الذي يعيش فيه الأكثر ضعفا، أن يكون ما يقدمونه قليلا للغاية، وأن يتجنبوا المساءلة عن إخفاقاتهم.

وهنا يأتي دور النشطاء، إذ إن دعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة لا يتطلب لفت الانتباه إلى محنة أولئك الأكثر عُرضة للخطر فحسب، بل يستلزم أيضا تسليط الضوء على أصوات الأكثر ضعفا في العالم، وإذا كان لنا أن نتمكن من تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، فيتعين علينا أن نركز على الأشخاص الأكثر تأثرا بشكل مباشر بأكبر التحديات العالمية، ويتعين علينا أن نحاسب أولئك الأكثر مسؤولية وقدرة على حل المشكلات: قادتنا.

مع تبقي عشر سنوات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لابد أن يكون عامنا هذا هو العام الذي يتخذ فيه قادة العالم تدابير حاسمة أخيرا، وهذا يعني تحقيق الهدف الذي دعت إليه جودل والمتمثل في زرع تريليون شجرة بحلول عام 2030، والإنصات إلى نداءات علاء مرابط، الطبيب البشري المناصر لأهداف التنمية المستدامة، بتبني نهج شامل في التعامل مع الأمن، وهذا يعني دعم جاها دوكريه، الناشطة المؤيدة للكفاح ضد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والتي تعمل بلا كلل أو ملل لحماية الفتيات والنساء من تلك الفعلة وغيرها من أعمال العنف، كما يعني ضمان مشاركة الأشخاص الأكثر ضعفا في طليعة العملية، في كل خطوة على الطريق.

إذا كنت تعلمت أي شيء في السنوات التي أمضيتها في الكفاح من أجل العدالة- سواء من أجل أهل دارفور أو لاجئي العالم- فهو أن أكثر الناس ضعفا لا يملكون ترف انتظار التغيير، ويتعين علينا أن نحمل العالم على إدراك المخاطر: فكل تأخير، وكل تنازل، وكل فشل يكلف الأرواح.

* امتثال محمود سفيرة النوايا الحسنة لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، ومؤلفة كتاب «مدخل الأخوات».

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»