من الطبيعي أن تدفع أزمة صحية عالمية البلجيكيين في معسكرَي الانقسام اللغوي إلى وضع خلافاتهم جانباً... لكن لم يحصل ذلك! يواجه السياسيون من الشمال الناطق باللغة الفلمنكية ومن الجنوب الناطق باللغة الفرنسية خلافاً حاداً اليوم حول طريقة التعامل مع فيروس كورونا.في أنحاء البلد الذي يضم 11 مليون نسمة، سبّب الفيروس حتى الآن ثلاث حالات وفاة و399 إصابة مؤكدة، لكن تكتفي الحكومة البلجيكية بإخضاع المرضى للفحوصات حين تظهر عليهم الأعراض حصراً لأنها تواجه نقصاً في المواد الكيماوية اللازمة لاختبار فيروس كورونا.
يوم الثلاثاء الماضي، دعت رئيسة الحكومة صوفي ويلميس إلى انعقاد مجلس الأمن القومي حيث أطلع الخبراء وزراء الحكومات البلجيكية المحلية على آخر المستجدات ونصحوهم بإلغاء أي مناسبات يشارك فيها أكثر من ألف شخص.لكن تتعلق المشكلة الفعلية بمسؤولية رؤساء البلديات والحكومات عن تحديد طريقة تنفيذ تلك النصيحة، فقد أعلنت منطقة بروكسل في ذلك اليوم نفسه أنها ستمنع جميع المناسبات في المساحات الداخلية إذا كانت تشمل أكثر من ألف شخص، لكن لم تَقُم مدينة «أنتويرب» بالمثل، فتساءل رئيس بلدية بروكسل فيليب كلوس: «كيف نشرح للمواطنين أنهم يستطيعون حضور أي حدث في حلبة «أنتويرب سبورتبالي» لكنهم يعجزون عن ذلك في قاعة «بلجيكا القديمة» أو في «الغابات الوطنية» في بروكسل؟ هل هذا الوضع طبيعي»؟كذلك، وقع خلاف داخل مجلس الأمن القومي بين سياسيين ناطقين بالفرنسية والفلمنكية، حيث أراد الفريق الأول اتخاذ تدابير أكثر صرامة لاحتواء الفيروس، في حين ركّز الفريق الثاني بشكلٍ أساسي على الأثر الاقتصادي لتلك التدابير.يُذكّرنا هذا التخبط بالرد البلجيكي على اعتداءات باريس في نوفمبر 2015، وبسبب التهديد الإرهابي دعا السياسيون الناطقون بالفرنسية إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة حينها، منها إغلاق المدارس في «والونيا»، لكن لم يعتبر الفلمنكيون هذه الخطوة ضرورية.يوم الأربعاء انتقد بارت ديويفر، رئيس حزب «التحالف الفلمنكي الجديد» ورئيس بلدية «أنتويرب»، طريقة استجابة الحكومة الفدرالية وطلب معلومات أكثر وضوحاً عن الموضوع، لكن ردّت ويلميس بقوة سريعاً وقالت: «إنه موقف فظ بعض الشيء من شخصٍ يطالب بزيادة الكفاءات»، ثم ذكّرت ديويفر أن حزبه كان حاضراً في مجلس الأمن القومي عند اتخاذ القرارات بشأن التدابير المرتقبة.لكن تابع ديويفر مهاجمة «الفوضى» السائدة بسبب غياب أي معطيات واضحة، إذ يطالب القوميون الفلمنكيون الحكومة بتفعيل خطة الكوارث الفدرالية، حيث يمكن تطبيقها خلال أي أزمة تصيب المجتمع ككل.ويوم الخميس أعلنت ويلميس أن مجلس الأمن القومي سينعقد مجدداً في المساء لمناقشة الوضع وفرض تدابير جديدة محتملة، ثم ألمحت في تغريدة لها إلى تعليقات ديويفر مجدداً، فكتبت: «أشدد على كلمة «معاً»، لأن مجلس الأمن القومي توسّع ليشمل رؤساء الحكومات المحلية».القوميون الفلمنكيون ليسوا الأشخاص الوحيدين الذين ينتقدون الاستجابة المحدودة للحكومة البلجيكية، إذ تدعو مناشدات عبر الإنترنت الحكومة إلى تكثيف تدابيرها، ودعت خمس جامعات فلمنكية يوم الخميس إلى اتخاذ تدابير إضافية أيضاً، مثل العمل من المنزل، لتجنب تكرار سيناريو إيطاليا في بلجيكا.كذلك، دعا هيرمان غوسينز، خبير في علم الأحياء المجهري في جامعة «أنتويرب» ومنسّق «الاستجابة الأوروبية السريعة لأبحاث الطوارئ حول كوفيد-19»، الحكومة إلى مضاعفة جهودها للتعامل مع الأزمة، فصرّح لصحيفة «دي مورغن» البلجيكية: «من الناحية السلبية لا يمكن تجنب العاصفة التي ستضربنا، ومن الناحية الإيجابية يمكننا منع تحوّلها إلى تسونامي جارف عبر اتخاذ تدابير جذرية».حتى الآن، لا تقضي الخطة المطروحة بالانتقال إلى هذا المستوى الجذري من الخطوات، بل يتعلق الهدف الأساسي بتجنب إصابة عدد كبير من الناس بالمرض خلال فترة قصيرة وزيادة الضغوط على المستشفيات.تريد الحكومة أيضاً أن تتجنب انتشار هلع شامل، فأعلنت وزيرة الصحة ماغي دي بلوك: «نحن نحرص على تحديث تدابيرنا باستمرار عند الحاجة، لذا أدعو الجميع إلى التزام الهدوء». لكن يتوقع ستيفن فان غوت، رئيس اللجنة العلمية الخاصة بفيروس كورونا في الحكومة البلجيكية، أن تبلغ الإصابات ذروتها في بلجيكا خلال فترة تتراوح بين أربعة وستة أسابيع.* «باربرا موينز»
مقالات
حتى فيروس كورونا لم يوحّد بلجيكا!
17-03-2020