محاولات مستمرة لتنقيح الدستور
بعد الاستقلال أرادت الكويت أن تكون دولة ديمقراطية، ولتحقيق ذلك تم انتحاب مجلس تأسيسي 1961 لمدة عام ليضع دستورا للدولة، وبعد الاتفاق على مواد الدستور تم انتخاب أول مجلس نيابي 1962، وقد جاء الدستور متوازنا، فراعى حقوق الحاكم والمواطنين، وأعطى للحاكم صلاحيات واختصاصات واسعة تمكنه من تشكيل حكومة قوية وحازمة يتمكن من خلالها إدارة الدولة إدارة جيدة إذا أحسن اختيار الوزراء. كما أعطى الدستور حقوقا للشعب يتمكن من خلالها من اختيار نواب يمثلونه في مجلس الأمة لمراقبة أعمال الحكومة ومحاسبتها على أخطائها، وليتمكن الشعب من خلال نوابه من المشاركة في اتخاذ القرارات التي تهم الدولة، ومنذ الاستقلال حتى يومنا الحاضر واجه نظامنا الديمقراطي أزمات حادة، منها كما يعتقد تزوير انتخابات 1967، وحل المجلس عامي 1976 و1986 حلا غير دستوري، وكذلك حل المجلس حلا دستوريا في أعوام 1999 و2006 و2008 و2009. ويتضح من خلال تحليل تلك الأزمات أن سببها يرجع إلى أن أطرافا من السلطة مستاءة من الحقوق التي حصل عليها الشعب من دستور 1961، وكأنها تستكثر عليه تلك الحقوق وتحاول تقليصها، علما أن واضعي الدستور قد نصوا على أن تلك الحريات والحقوق تمثل الحد الأدنى ولا يجوز تغييرها إلا لتحقيق مزيد من الحرية، لذا باءت جميع محاولات السلطة للنيل من الحريات والعبث بمواد الدستور بالفشل، وفي كل مرة تعطل فيها الحياة الدستورية، وتدعي الحكومة أن المجلس هو من يعرقل مشاريع العمل، وتزداد الأوضاع سوءا بعد حل المجلس وانفراد الحكومة بالسلطة، مما يضطر الحكومة لإعادة المجلس ليساعدها في تحمل المسؤولية.
ولعل آخر محاولة فاشلة قامت بها الحكومة لتنقيح الدستور عام 1990 والتي تمخض عنها مقترح أطلق عليه المجلس الوطني ليكون بديلا عن مجلس الأمة، وكان ذلك المجلس يتكون من 75 عضوا 50 منتخبا و25 معينا، ورفضت غالبية الشعب تلك التعديلات التي طبقتها الحكومة بالرغم من معارضة غالبية الشعب لها، مما أدى إلى قيام مظاهرات تعبر عن سخط الشارع الكويتي ضد تلك الإجراءات فأغرى ذلك المجرم صدام ليحتل الكويت. ورفض الشعب الكويتي المحتل، ولم يجد فردا يتعاون معه، واجتمع الكويتيون في مؤتمر جدة وتعاهدوا حكومة وشعبا على أن تكون الكويت بعد تحريرها دولة ديمقراطية تحكم بموجب دستور 1962، وبعد التحرير هنأ بوش بصفته رئيس أكبر دولة ساهمت في تحرير الكويت الشعب الكويتي والأمير بتحرير الكويت، وتمنى أن تحكم بموجب دستور 1962. ولما رجع صاحب السمو الأمير الراحل جابر، رحمه الله، إلى أرض الكويت بعد التحرير، شكر الشعب الكويتي على وقفته المؤيدة للشرعية، قائلا: "إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها". (النساء 86)، وتعهد أن تلتزم الحكومة بإسعاد الشعب ما استطاعت إلى ذلك من سبيلا، ونتمنى استمرار ذلك العهد والابتعاد عن إيذاء الشعب بتشكيل لجان تدمر الدستور.