عشية يوم الاثنين الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي أن إيطاليا بأسرها ستصبح "منطقة محمية"، وسيُفرَض فيها منع التجول بعدما سجّل البلد 9172 إصابة من مرض "كوفيد- 19" ووصلت حالات الوفاة إلى 463 حالة، حتى 3 أبريل المقبل، سيُجبَر 60 مليون إيطالي على ملازمة منازلهم، من دون أن يخرجوا إلا للقيام بأعمال "طارئة" أو الذهاب إلى الطبيب أو شراء المؤن الأساسية.تثبت الوقائع الكامنة وراء هذا الوضع خطورة الخلاف السياسي الداخلي في الحالات الطارئة، لكن رغم التوتر السياسي في البلاد، لا يمكن تجاهل الجهود التي بذلتها السلطات الإيطالية ككل، إذ يتابع خبراء الصحة اعتبار إيطاليا مثالاً نموذجياً لاستكشاف طريقة التعامل مع فيروس كورونا، فقبل وقتٍ قصير من إعلان كونتي، أشاد مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، بـ"التدابير الصارمة" التي اتخذها الإيطاليون، وأكد دعم المنظمة الكامل لإجراءاتهم، ونجح الأطباء وفِرَق التمريض في إيطاليا في تعقب ومعالجة "كوفيد- 19".
أخذ البلد 53826 عيّنة لإجراء الفحص الذي يكشف عن الفيروس، وهو أعلى من جميع الأرقام المسجلة في أي بلد أوروبي آخر، وكان المعنيون شفافين في تقاسم المعلومات الضرورية، حيث يُفترض أن تسمح هذه المقاربة لإيطاليا بتفعيل قدرتها على احتواء المرض على المدى الطويل، والأهم من ذلك هو أن هذه البيانات سبق أن مكّنت كونتي من إعلان حالة الطوارئ وضمان تنازلات في موضوع قيود الاقتراض في الاتحاد الأوروبي لمعالجة المشاكل الشائكة، وأعلنت الحكومة برنامجا مؤلفا من إعانات الأجور، والتخفيضات الضريبية، وإعفاءات من فواتير الخدمات، وتعليق سداد الرهون العقارية، لمساعدة الناس تحت الحجر الصحي.يصرّ كونتي حتى الآن على أن الحكومة الإيطالية ستعطي الأولوية لصحة المواطنين بدل الميزانية، مما يعني أن تنفق كل ما يلزم للحد من الوباء الناشئ، فلا عجب إذاً في أن يشعر الإيطاليون بالرضا على أنفسهم بعد سماع إصرار دونالد ترامب على تشبيه كورونا بالزكام العادي، أو تأخّر بريطانيا في تطبيق تدابير مثل منع التجمعات الحاشدة أو المباريات الرياضية. لا يزال معدل الوفيات منخفضاً نسبياً، لكن سجّل البلد ارتفاعاً هائلاً في عدد المرضى المحتاجين إلى دخول العناية المشددة، وتشمل منطقة "لومبارديا" على وجه التحديد عدداً من أهم المستشفيات الإيطالية وتُعتبر من أفضل المناطق الرائدة في مجال الرعاية الصحية من بين الدول المنتسبة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن حتى هذه المنطقة بدأت تفتقر إلى الأَسِرّة في المستشفيات وأصبحت الخدمات المتاحة فيها محدودة، ولتجنب وضع مشابه في بلدان أخرى شدّد الأطباء على ضرورة أن تحدد الحكومات الخارجية الإصابات الجماعية في أبكر مرحلة ممكنة، وأن تفرض الحجر المنزلي بطريقة منظّمة وموحّدة أكثر مما فعلت إيطاليا.رغم الهلع الذي أصاب الناس بسبب الحجر المنزلي في المرحلة الأولى، يسهل أن نلاحظ نشوء حس من التضامن، ولو أنه لا يزال خجولاً، بين الشعب الإيطالي للمرة الأولى منذ بداية هذه الأزمة، فأصبح هاشتاغ #iorestoacasa ("سأبقى في المنزل") من المواضيع الأكثر تداولاً على "تويتر"، ويشجّع المشاهير والشركات الناس على أخذ هذه التدابير الجديدة على محمل الجد، فقد نجح هذا القرار في لفت أنظار الناس وبدّد الفكرة القائلة إن كبار السن وحدهم يجب أن يقلقوا من المرض أو أنه سيتلاشى تلقائياً خلال أسابيع قليلة، ولا شك أن أماكن أخرى ستحتاج إلى التدبير نفسه خلال الأشهر المقبلة. لكن حتى الآن، حصل الإيطاليون على فرصة قيّمة كي يثبتوا لبقية دول العالم أن التضامن يستطيع التغلب على الهلع في ظل هذه الحالة الطارئة.* «جيمي ماكاي»
مقالات
تضامن مستجد في إيطاليا وسط إجراءات الحجر المنزلي
19-03-2020