تكرر أمامنا مشهد مألوف حين اجتمع فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في موسكو للاتفاق على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية، كما حصل بين العامين 2015 و2016، أوشكت روسيا وتركيا على خوض صراع مسلّح بسبب مصالحهما المتضاربة في سورية، وكما جرى قبل أربع سنوات، تراجع أردوغان بعد أشهر من المواقف الهجومية والمجازفات السياسية وانتصر بوتين.

اليوم، تحتدم المواجهة بين روسيا وتركيا مجدداً في سورية، وتبدو أنقرة مصمِّمة على حماية حدودها ومنع تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى أرضها، في المقابل تميل موسكو إلى حماية نظام بشار الأسد ومساعدته في إعادة توحيد سورية.

Ad

نتيجةً لذلك، احتدمت الاشتباكات بين الطرفين في محافظة إدلب، حيث أدى هجوم نظام الأسد، بدعمٍ من روسيا، إلى هرب نحو مليون شخص باتجاه الحدود التركية، فردّت تركيا بهجوم مضاد في محاولةٍ منها للتصدي لهذا الوضع.

في 5 مارس في موسكو، اتفق أردوغان على وقف محدود لإطلاق النار، وهو اتفاق يصبّ في مصلحة روسيا والأسد، ويضمن هذا الاتفاق تجميد القتال على الجبهات، ويرسّخ المكاسب التي حققتها قوات الأسد منذ أن انتهكت معاهدة وقف إطلاق النار في 2018.

لا تقتصر اللعبة التي يخوضها بوتين مع تركيا على التفوق في سورية بكل بساطة، بل إنها مناورة لإضعاف حلف الناتو عبر إبعاد تركيا عن الأمم المتحدة والتحالف الغربي، حيث تطرح الأزمة القائمة في العلاقات الروسية التركية مجموعة مخاطر وفرص للغرب، لكن لا بد من فهم حقائق محورية في علاقات روسيا وتركيا أولاً.

الصراع غير محصور في سورية

لا ينحصر التنافس بين روسيا وتركيا في سورية، بل يُعتبر هذان البلدان من أهم صانعي القرار السياسي في المنطقة، وهما يؤيدان أطرافاً متناحرة في الحرب الأهلية الليبية أيضاً، فتدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في طرابلس، وهي حكومة معترف بها دولياً وتسيطر على غرب ليبيا، أما روسيا فتؤيد الجيش الوطني الليبي برئاسة القائد العسكري خليفة حفتر، وهو يسيطر على شرق ليبيا ويحاول الاستيلاء على السلطة بالقوة.

نشرت روسيا نحو 1500 مرتزقة من مجموعة "واغنر" لدعم حفتر، وفي يناير نشر أردوغان من جهته القوات التركية في ليبيا "لدعم الحكومة الشرعية وتجنب المآسي الإنسانية"، كذلك تشتبك تركيا وروسيا في البلدان السوفياتية السابقة، فأصبحت أنقرة داعمة أساسية لأذربيجان في صراعها الجامد والقديم مع أرمينيا في "ناغورنو كاراباخ"، وفي المقابل تُعتبر روسيا أهم داعمة عسكرية لأرمينيا، فتقدّم لها أكبر حصة من القدرات الدفاعية.

على صعيد آخر أطلق أردوغان مواقف هجومية صريحة ضد الاعتداءات الروسية في أوكرانيا ودعماً لجماعات التتار المقموعة في شبه جزيرة القرم، وخلال زيارة له إلى كييف في فبراير الماضي، أعلن الرئيس التركي أن أنقرة لا تعترف بضم روسيا شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية، كما أنها تدعم سيادة أوكرانيا.

فرصة قيّمة أمام الغرب

عمدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وفق تقرير صادر عن وكالة "رويترز" في 3 مارس، خلال اجتماع مغلق مع حلفائها السياسيين بعد مكالمتها الهاتفية مع بوتين، إلى انتقاد رئيس الكرملين لأنه رفض المشاركة في اجتماع مع أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمنع تصعيد الأزمة في إدلب.

بعد يومين في موسكو أجبر بوتين أردوغان على فرض وقف إطلاق النار بما يصبّ في مصلحة روسيا، ويعكس هذا الوضع نمطاً تاريخياً حيث كانت تركيا تنهزم بشكلٍ متكرر على يد روسيا، سواء دبلوماسياً أو عسكرياً، حين تتصرف وحدها، لكنها تفوز عندما تتحرك بالتعاون مع الحلفاء.

قد تكون الأزمة المستمرة بين تركيا وروسيا نقطة مفصلية، فتعطي الغرب فرصة مناسبة لإعادة ضبط علاقاته مع تركيا.

في هذا السياق، كتب المعلّق السياسي بارشين يينانش في صحيفة "حرييت" التركية: "تثبت أزمة إدلب أننا وصلنا إلى آخر حدود العلاقة الاستراتيجية المزعومة بين تركيا وروسيا".

وقد تقرّبت روسيا من تركيا في المرة الأخيرة خلال 2016 لإثارة خلاف بين أنقرة وحلف الناتو، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاق لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي "ترك ستريم"، أثارت تركيا غضب حلفائها الغربيين عبر شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400"، وهذه المرة يجب أن تستغل الولايات المتحدة والتحالف العابر للأطلسي الاضطرابات القائمة بين أنقرة وموسكو لإقناع تركيا بأن الغرب هو الذي يضمن مستقبلها وأمنها.

* براين ويتمور