لم يسبق أن عاش أي منا هذا النوع من المآسي!في إيطاليا نجيد التعامل مع حوادث السير، أو انحراف القطارات عن مسارها، أو حتى الهزات الأرضية، لكن لا خبرة لدينا في التعامل مع فيروس قتل عدداً كبيراً من الناس ويزداد سوءاً مع مرور كل يوم، ولا علاج له حتى الآن!
أنا طبيب تخدير في مستشفى «بوليكلينيكو سان دوناتو» في ميلانو، وهو جزء من منطقة «لومبارديا»، معقل تفشي الفيروس في إيطاليا. في 21 فبراير، يوم تسجيل أول إصابة، عرض هذا المستشفى المتخصص بجراحة القلب المساعدة للاعتناء بالمصابين بمرض «كوفيد-19»، لقد أنشأنا، بالتعاون مع مستشفيات أخرى، فريق عمل مؤلفاً من أطباء العناية المشددة لإرساله إلى المستشفيات في منطقة تفشي المرض.تأجلت جميع الجراحات المخطط لها، وخُصّصت الأَسرّة في قسم العناية المشددة لمعالجة المصابين بفيروس كورونا، خلال 24 ساعة، أنشأ المستشفى أماكن جديدة في العناية المشددة عبر تغيير استعمالات غرف العمليات والتخدير، كذلك، خُصّص 40 سريراً إضافياً للحالات المشبوهة أو المثبتة لكن غير الخطيرة.لكن كان إيقاع زيادة الحالات صادماً، بدءاً من الثلاثاء، سُجّلت 31506 حالات في أنحاء البلد، تعافى منها 2941 شخصاً وتوفي 2503. تُسجّل منطقة «لومبارديا» أكبر عدد من الإصابات ووصل مجموع الحالات فيها إلى 16220، بما في ذلك 1640 وفاة، و879 حالة في العناية المشددة (56 حالة إضافية مقارنةً باليوم السابق)، و2485 حالة شفاء، أمام هذه الأرقام، قد ينهار نظام الرعاية الصحية الإيطالي قريباً!يبقى كل مريض يصل إلى المستشفى أياماً عدة، ويستنزف جزءاً من الموارد الطبية، في شمال إيطاليا، تتعرض أنظمة الرعاية الصحية أصلاً لضغوط هائلة، إذ يشعر العاملون في القطاع الطبي بالإرهاق، ومع توسّع انتشار الفيروس، ستواجه مناطق أخرى الوضع نفسه قريباً.لحسن الحظ، طبّقت «لومبارديا» والحكومة الوطنية تدابير صارمة لاحتواء المرض منذ عشرة أيام، وبحلول نهاية هذا الأسبوع، أي بعد مرور 15 يوماً (فترة حضانة الفيروس)، سنعرف مدى فاعلية تلك التدابير، ولن يتباطأ إيقاع انتشار الفيروس إلا في تلك المرحلة.لكن لن نبلغ تلك المرحلة سريعاً، انتشرت أنباء مفادها أن الأطباء قد يضطرون إلى تحديد المرضى الذين يتلقون العلاج فيما يتركون البعض من دون رعاية فورية، لم يحصل ذلك أمامي مطلقاً: تلقى جميع المرضى في المستشفى الذي أعمل فيه العلاج الذي يحتاجون إليه. لكن هذا الوضع قد لا يدوم طويلاً. إذا لم يبدأ عدد المرضى في التراجع، لن تكفي مواردنا لمعالجتهم، في تلك المرحلة، قد يصبح فرز المرضى وإعطاء الأولوية لمن ترتفع فرصة نجاته سلوكاً اعتيادياً.يثبت زملائي في مستشفى «بوليكلينيكو» وفي أنحاء البلد أنهم يتمتعون بروح تضحية عظيمة، نحن نعرف مدى حاجة الناس إلينا في هذه الفترة، وهذا ما يعطينا القوة لتحمّل التعب والضغط النفسي، لكني لا أعرف إلى متى نستطيع الصمود، كشفت الفحوصات إصابة بعض الزملاء بفيروس كورونا، واحتاج عدد صغير منهم إلى دخول العناية المشددة، المخاطر التي نواجهها جميعاً هائلة.بما أنني طبيب تخدير متخصص في الطوارئ الجراحية، لم أتعامل مباشرةً مع مرضى «كورونا» في حالات كثيرة، لكني قابلتُ رجلاً متقدماً في السن وكانت حالته حرجة، كان يستعد لاستئصال ورم لديه، جرت العملية بشكلٍ طبيعي: خدّرتُه ثم استيقظ بعد أربع ساعات من دون أن يشعر بالألم.حصل ذلك في منتصف فبراير، وبعد مرور أسبوع، بدأت الأعراض تظهر عليه: حمّى مرتفعة وسعال، ثم أصيب بالتهاب رئوي بعد وقت قصير، هو موجود في العناية المشددة اليوم وتغطّي الأنابيب كل جسمه ولا تزال حالته حرجة، هو واحد من كثيرين أصبحوا مجرّد رقم بلا اسم محدد، وتعكس حالته مدى تفاقم الوضع.أتمنى أن تبدأ نهاية هذا الوباء قريباً، لكننا لا نستطيع توقّع اقتراب النهاية إلا إذا بدأت الإصابات تتراجع.تتعدد المظاهر الواعدة راهنا، أبرزها تجاوب الشعب بكل هدوء مع القواعد الصارمة التي فرضتها الحكومة، واكتساب خبرة واسعة في طريقة التعامل مع المرضى رغم حالاتهم الحرجة، وانتشار شائعات عن ابتكار علاجات جديدة للعدوى، قد تنجح تدابير الاحتواء ونسمع أنباءً سارة أخيراً في نهاية الأسبوع.لكن حتى الآن، ما زلنا غارقين في عمق المأساة!* ماركو بافيزي
مقالات
الرعاية الصحية في إيطاليا مهددة بالانهيار!
23-03-2020