ما أن نجحت وزارة السياحة والآثار المصرية في إعادة الروح والحياة إلى قصر البارون، حتى بدأ العديد من المصريين يتساءلون عن موعد الانتهاء من أعمال ترميم قصر السكاكيني الذي لا يقل في روعته وبهائه عن قصر البارون التاريخي، وبخاصة أن وعد الله أبوالعلا، رئيس قطاع المشروعات بوزارة الآثار، كان قد قال في تصريح قبل أشهر إن أعمال الترميم بالقصر تتم بشكل منتظم، وبأحدث الطرق والمواد العلمية الحديثة، حيث يتم إجراء أعمال إنشائية دقيقة، ولكن بشكل بطيء نظراً لطبيعة القصر ولدقة العمل، لافتاً إلى أنه من المقرر افتتاحه في العام 2020.

ويعد قصر السكاكيني تحفة فريدة تجسد حالة من الإبداع والجمال على مستوى التصميم المعماري، حيث شيد على الطراز الإيطالي، ويحوي تماثيل ونقوشاً وزخارف تعود إلى العصور اليونانية والرومانية والقبطية.

Ad

وشيد هذا البناء البديع قبل نحو 121 عاماً، وضمته وزارة الآثار إلى قوائمها منذ 31 عاماً، واتخذته مقراً إدارياً لمنطقة آثار وسط القاهرة، لكنه ظل يعاني من الإهمال الشديد، وظهرت على جدرانه عوامل التعرية وبدا قديماً وألوانه باهتة، وأبوابه مغلقة أمام الزائرين، فلم يتم استغلاله كمزار أثري لعشاق القصور التاريخية، كما توارى بين العمارات الشاهقة والمحال التجارية في تلك المنطقة ذات الطابع الشعبي، بعدما كان أبرز القصور التي تسطر تاريخ المرحلة الخديوية.

طرود القطط الجائعة

وبدأت قصة هذا القصر في عام 1856 حين جاء إلى مصر شاب سوري يُدعى غابرئيل حبيب، كان قد لُقب بـ"السكاكيني" نسبة إلى والده الذي كان يعمل في صناعة الأسلحة البيضاء، وتولى حبيب وظيفة في شركة قناة السويس في مدينة بورسعيد المصرية، ولفت هذا الشاب نظر الخديوي إسماعيل، حاكم مصر في ذلك الوقت، بعدما استطاع حل أزمة انتشار الفئران وما تنقله من أوبئة في منطقة السويس، وذلك من خلال إرسال طرود قطط جائعة مُحملة على النوق، فقضت على مشكلة انتشار الفئران في منطقة قناة السويس.

ومنذ ذلك الحين، اعتمد الخديوي إسماعيل على السكاكيني، وأسند إليه بناء دار الأوبرا الخديوية، ونجح بالفعل في الانتهاء من بنائها في الوقت المحدد في 17 نوفمبر عام 1869، وأنعم عليه الخديوي بلقب "بك"، وبعدها أصبح حبيب السكاكيني من كبار المقاولين، وفي مارس عام 1901 منحه البابا في روما لقب "الكونت" لخدماته المجتمعية.

وفي عام 1897 تم بناء قصر السكاكيني على بركة أرض تسمى "قراجا التركماني"، ومنحت له في منطقة الظاهر لعلاقته الوطيدة بالخديوي، وقام بردم البركة وبناء القصر عليها. وبعد وفاته في عام 1923 قُسمت ثروته بين الورثة الذين تنازلوا عن القصر للدولة، وقام أحد أحفاده، والذ كان يعمل طبيباً، بالتبرع بحصته لوزارة الصحة.

وفي الفترة من عام 1961 إلى 1983 أصبح القصر مقراً لمتحف التثقيف الصحي، وفي عام 1987 تم تسجيله ضمن الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رئيس الوزراء، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار.

فن «الروكوكو»

وتبلغ مساحة القصر الإجمالية نحو 2698 متراً، وقد شُيده على الطراز الإيطالي، حيث يعتبر نموذجا لفن "الروكوكو"، وهو فن ينتمي إلى الزخرفة في العمارة والديكور الداخلي والخارجي وكذلك الأثاث والتصوير والنحت، وبنته شركة إيطالية ليكون نسخة من قصر إيطالي رأه حبيب السكاكيني وأراد عمل نسخة منه في القاهرة.

300 تمثال

ويتكون القصر من خمسة طوابق، الأول يضم 4 غرف، والثاني مكون من 3 قاعات و4 صالات وغرفتين، أما الصالة الرئيسة فتبلغ مساحتها نحو 600 متر، وتحتوي على 6 أبواب تؤدي إلى قاعات القصر، ومجموع غرف القصر يبلغ 50 غرفة، ويحتوي على أكثر من 400 نافذة وباب، و300 تمثال منها تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيس للقصر، كما أنه له مصعد ويطل على شرفة بها قبة مستديرة تؤدي إلى غرفة الإعاشة الصيفية، ويضم حديقة دائرية حوله غنية بالأشجار والورود.

ويحوي القصر على تماثيل لأسدين بواجهة القصر وفتيات وأطفال، لكن ألوانها الأصلية اختفت، بالإضافة إلى نافورة جفت المياه فيها.