حينما يأمرنا الله سبحانه وتعالى في العديد من الآيات القرآنية بأن نتعبده بقراءة القرآن، عبر إعمال عقولنا بالتدبّر والتفكّر والتبصّر والتمعّن، فإنما هو توجيه إلهي مقصود للوقوف على المعاني الظاهرة والخفية، التي تجعلنا على فهم واضح وحقيقي للمعاني التي تمر علينا ونحن نتلو القرآن ونقرأه، فلا تكون تلاوته ترنيماتٍ صوتية، ولا قراءته مهمةً كمّية وصولاً لختمه مجرداً، لكنها تلاوة أو قراءة تعبدية من خلال التدبّر والتفكّر، وليسأل كل منا نفسه حينما نقرأ في القرآن الكريم الآية 73 من سورة الحج: "وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"، كيف نمر عليها؟ هل نتفكّر ونتدبر ذلك؟ أم نمر عليها مرور الكرام؟ وهل تدبرنا يصل إلى إدراك أن الطالب هو كل من يتم تأليهه، غير الله سبحانه وتعالى، سواء كان دولة عظمى أو حاكماً أو تقدماً علمياً أو مذهباً مادياً أو أي مخلوق آخر؛ جماداً كان أو حياً، أو كان قدرة عقلية تجعلنا نستشعر لأي منهم العظمة والقدرة الخارقة التي توصلهم إلى حد التأليه، من دون الله عز وجل؟ جميع أولئك وآحادهم هو "الطالب" الذي يقف عاجزاً أمام مخلوق صغير مما خلق الله جلت قدرته، ألا وهو الذباب، وهو "المطلوب"، ويقف الإنسان وأي آلهة اتخذها من دون الله من أصناف الآلهة السابقة، بحالة عجز وضعف أمام ما يسلبه الذباب منهم، مع كونه أي الذباب، وهو "المطلوب"، أيضاً ضعيفاً؛ "ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ".ولعل ما تعانيه البشرية والدول جمعاء من حالة عجز وضعف أمام فيروس ضئيل من مخلوقات الله عز وجل مثل فيروس كورونا، يذكرنا بالحقيقة الربانية التي تجسدها هذه الآية، وهو ما يفرض على الإنسان المؤمن أن يستعيد في ذهنه هذه الحقيقة الربانية؛ "وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"، التي تجعل العالم بعدته وعتاده وعلمه وتطوراته يقف ضعيفاً عاجزاً مذهولاً في مواجهة هذا الفيروس الضئيل، والذي عطل وشل حياة البشر ودوله في كافة جوانبها.
إن هذه تذكرة للإنسان بشكل عام، والإنسان المؤمن بشكل خاص، أن يعلم أن قدرة الله وعظمته والتوكل عليه، هي الملجأ الذي يحفظ الإنسان وينجيه من قدره، فحسبنا أن نَفر من قدر الله إلى قدره، باللجوء إليه بحسن تعبده والظن به وصدق التوكل عليه، وصدَق المولى عز وجل إذ يقول: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".فلا يغرنكم عظم الدول وتقدمها وتقنياتها، ولا سلطة لحاكم أو اختراع لعالم، فجميعها في ضَعف "الطالب" الذي وصفته هذه الآية الربانية في القرآن، كي تذكرنا دوماً بأن نستحضر عظمة ملك الملوك سبحانه وتعالى.اللهم احفظنا وجميع المسلمين والخلق أجمعين من فيروس كورونا، وارزقنا حسن الظن بك وصدق التوكل عليك. اللهم آمين
أخر كلام
«وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا»
26-03-2020