«كوفيد 19» والتباعد الاجتماعي
مع انتشار وباء كوفيد 19، استجابت الحكومات وركزت على أهمية التباعد الاجتماعي للحد من انتشار الفيروس، ولكن ما التباعد الاجتماعي (social distance)؟ وما أصل هذا المصطلح؟ يرجع أصل التعبير إلى دراسة عالم الأنثروبولوجيا الأميركي إدوار تي هول للبروكسيميكس (Proxemics)، الذي طرح في كتابه (البعد الخفي) مستقبل البشرية وتفاعل الناس مع بعضهم، يتحدث موضوع الكتاب حول الحيز الاجتماعي والشخصي، وإدراك الفرد للمسافات بين الناس أثناء تفاعلهم.
يَعتَبر إدوار هذه المسافات "حيزا" يحافظ عليه الفرد بينه وبين زملائه، ويركز أيضا ويأمل أنه بوجود هذا الحيز، أن تزيد معرفة الفرد بالذات ويقلص التنفير والعزلة، إلا أن هذا الحيز في سياق كوفيد 19 يأتي كوقاية أكثر من كونه معرفة للذات، لذلك أعني بالتباعد الاجتماعي تغييرا في سلوك الفرد بتقليص المسافة الجسدية (أو المادية) Physical distance وليس المسافة الاجتماعية social distance فبرأيي، مع وجود شبكات التواصل الاجتماعي، من الصعب أن يكون الفرد (غير اجتماعي) خصوصا أن هذه الشبكات تهدف إلى التواصل الاجتماعي. ويقول الزميل البروفيسور لي ويي في جامعة لندن "يُسمح بأن نكون اجتماعيين بترك مساحة خاصة، حيث إننا أكثر ارتباطا اجتماعيا، وهذا ما تعنيه الشبكات الاجتماعية"، ويضيف الدكتور جميل زكي، أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد، أن علينا تبديل المصطلح إلى التباعد الجسدي (المادي) بدلاً من التباعد الاجتماعي للتركيز على التباعد جسديا بدلاً من التباعد اجتماعيا.وللتأكيد على هذا شملت إجراءات تطبيق هذا التباعد للعمل من المنزل وتنظيم الاجتماعات عبر مكالمات الفيديو تجنبا لانتشار الفيروس في أغلب الجامعات والمؤسسات في بريطانيا والولايات المتحدة. وأشارت الدكتورة كاليسيو تشالكيدو من قسم الصحة العامة في جامعة إمبريال كوليدج إلى أن المسافة الاجتماعية هي "جهد مجتمعي لاحتواء نقل العدوى التي قد تأتي بتكلفة اقتصادية (وبشرية) كبيرة"، وقد تم الإعراب عن مخاوف هذا الابتعاد الذي قد يؤدي إلى زيادة الشعور بالوحدة والاكتئاب، خصوصا بين كبار السن الذين هم أكثر عرضة للخطر بالإصابة بالفيروس. ذكرت مجلة پوليتيكو (السياسية) الأميركية بأن هذا الفيروس سيعيد بالفعل توجيه علاقاتنا بالحكومة، والعالم الخارجي وحتى علاقاتنا الاجتماعية.في رأيي، أعتقد أن الأفراد الذين يطبقون التباعد الاجتماعي لن يحدوا من كوفيد 19 فحسب، بل سيسمح لهم أيضا في المستقبل وبعد الأزمة الحالية بمساحة شخصية (ربما خاصة)، ومع ذلك ما زلت أعتقد أن الناس يجب أن يبقوا على اتصال؛ وإلا فإن أزمة الصحة العقلية والبدنية طويلة المدى وقد تتبع الأزمة الفيروسية.