لا يختلف أحد على أهمية الإرث التاريخي والحضارة لأي بلد، وهو ما ينطبق على الآثار المصرية، التي تعود إلى نحو سبعة آلاف عام، لكن عمليات التنقيب غير المشروع والبيع والاتجار في القطع النادرة تظهر بين الحين والآخر على يد لصوص الآثار الباحثين عن تحقيق ربح سريع، مما استدعى الحكومة المصرية للتفكير في سن تشريعات جديدة أو تعديل القانون القائم لوقف نزيف بيع الآثار وتهريبها، عبر تشديد العقوبات بحق مرتكبي هذه الجرائم، وهو التعديل الذي أقره مجلس النواب.وقد واجه مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الآثار المقدم من الحكومة المصرية، والذي وافق عليه البرلمان نهائياً، جرائم بيع الآثار المصرية بعقوبات مشددة تصل إلى حد السجن المشدد.
وحسب المادة 42 مكرراً من مشروع القانون "يعاقب بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه (نحو 63 ألف دولار)، ولا تزيد على عشرة ملايين جنيه (نحو 630 ألف دولار) كل من حاز أو أحرز أو باع أثراً أو جزءاً من أثر خارج جمهورية مصر العربية، ما لم يكن بحوزته مستند رسمي يفيد خروجه من مصر بطريقة مشروعة، ويحكم فضلاً عن ذلك بمصادرة الأثر محل الجريمة".وجاء مشروع القانون متسقاً مع أحكام الدستور والقانون والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بهدف الحماية القانونية لآثار مصر، والحد من انتشار الظواهر الكارثية والأفعال غير المشروعة التي تتعرض لها من سرقة واتجار وتخريب وتدمير، والتي يمارسها بعض الأفراد ومافيا سرقة الآثار للاستيلاء والإضرار بآخر ما تركته الحضارة المصرية القديمة.وتتلخص أهداف مشروع القانون في الأخذ بمبدأ الاختصاص العيني، حفاظاً على الآثار، والاقتداء بنهج العديد من الدول، وتحقيق الردع بشقيه العام والخاص في شأن مرتكبي المخالفات الواردة في مشروع القانون، وتوقيع عقوبات تتلاءم مع جسامة الجُرم الواقع حال مخالفة أحكام المواد المستحدثة، مع مضاعفة العقوبة إذا اقترن الجرم بفعل مخالف للآداب العامة أو الإساءة للبلاد.كما يهدف القانون إلى سد الثغرات الموجودة في القانون الحالي المعمول به، والتي سمحت بالعبث بالآثار المصرية، سواء بتهريبها أو الاتجار بها أو بهدم قصور ومبان أثرية لا مثيل لها والتعدي عليها بالبناء على الأراضي التابعة للآثار.على أرض الواقع، عاقبت محكمة جنايات الزقازيق في محافظة الشرقية (شمال شرقي القاهرة)، سبعة أشخاص بالسجن، ثلاثة منهم بالسجن لمدة 3 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه، إلى جانب حكم "غيابي" لأربعة آخرين بالسجن 7 سنوات وغرامة 200 الف، لقيامهم بالتنقيب عن الآثار في منطقة خاضعة لقانون الآثار بدائرة مركز الحسينية في محافظة الشرقية.وتعود أحداث القضية إلى عام 2019، حين قامت الأجهزة الأمنية بضبط المتهمين لقيامهم بالتنقيب عن الآثار في منطقة خاضعة لوزارة الآثار، وبعرضهم على النيابة العامة قررت إحالتهم إلى محكمة جنايات الزقازيق التي أصدرت حكمها السابق.وتنتشر ظاهرة التنقيب عن الآثار في مصر منذ عقود بصورة كبيرة، باعتبارها أقصر الطرق لتحقيق حلم الثراء السريع، وقد جرى ضبط العديد من قضايا الاتجار بالآثار خلال الفترة الأخيرة، وضبط آخرين بشكل يومي أثناء قيامهم بعمليات تنقيب غير مشروعة.وكان مسموحاً في مصر ببيع الآثار حتى عام 1983، حين صدر القانون رقم 117 الذي ينص على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، والغرامة من 5 آلاف إلى 7 آلاف جنيه، وهي عقوبات يراها الكثيرون غير كافية ولا رادعة، ما استلزم إجراء التعديل التشريعي الذي وافق عليه البرلمان أخيراً.ويلزم الدستور المصري في مادته (49) الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استُولي عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه، إلا أن ترسانة قوانين الآثار التي بدأت منذ نحو 179 عاماً بمرسوم عام 1835، وتحظر التصدير غير المصرح به للآثار خارج مصر، حتى صدور قانون رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته في 2010، مروراً بعشرات التعديلات القانونية، لم تمنع وجود ثغرات سمحت بالعبث بالآثار المصرية، سواء بتهريبها أو الاتجار بها أو بهدم قصور ومبانٍ أثرية لا مثيل لها، حيث حذر خبراء الآثار من الثغرات الموجودة في قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، بسبب ضعف عقوبة تهريب وسرقة الآثار والتنقيب العشوائي عنها.
توابل - ثقافات
«تنقيب اللصوص» يدفع مصر لوقف نزيف الآثار بالقانون
27-03-2020