في خطوة جوهرية، خفضت وكالة "ستاندرد اند بورز" التصنيف الائتماني السيادي لاثنتين من دول مجلس التعاون الخليجي هما: الكويت وسلطنة عمان بمقدار درجة واحدة، على خلفية تراجع أسعار النفط، مما أدى إلى الضغط على المركز المالي لكلتا الدولتين المصدرتين للنفط. وجاءت تلك الخطوة، حسب تقرير صادر عن شركة "كامكو إنفست"، في أعقاب اعلان وكالة ستاندرد اند بورز توقعاتها تراجع أسعار النفط ليصل مزيج خام برنت في المتوسط إلى 30 دولارا أميركيا للبرميل في 2020، و50 دولارا في 2021، و55 دولارا في 2022.
ويأتي هذا التعديل لتوقعات أسعار النفط وخفضها بعد فشل "أوك" حلفائها في التوصل إلى اتفاق جماعي لتمديد اتفاقية خفض حصص الإنتاج إلى ما بعد الموعد النهائي الحالي في مارس 2020. وفي أعقاب هذا التطور، بالإضافة إلى تأثير تفشي "كورونا" على الطلب العالمي للنفط، هبطت أسعار العقود الفورية لمزيج خام برنت بنسبة 70 في المئة تقريبا مقابل أعلى المستويات المسجلة هذا العام، وتراجعت إلى أدني مستوى لها في 18 عاماً وصولاً إلى 22.8 دولارا للبرميل.هذا، وقد خفضت "ستاندرد اند بورز" تصنيفات الكويت الائتمانية طويلة الأجل بالعملات الأجنبية والمحلية بدرجة واحدة إلى "AA-" من "AA" مع نظرة مستقبلية مستقرة. ويعكس تخفيض التصنيف الائتماني التراجع الحاد لأسعار النفط لهذا العام والعام المقبل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد نتيجة للاعتماد الشديد على الإيرادات النفطية. كما سلطت "ستاندرد اند بورز" الضوء على تباطؤ وتيرة الإصلاحات في الكويت مقارنة بدول الجوار على مدى السنوات القليلة الماضية. إلا انها في ذات الوقت عكست استقرار آفاق التصنيف الائتماني السيادي، مدفوعاً بالاحتياطيات الضخمة المالية والخارجية، التي ستوفر مساحة لاتخاذ تدابير السياسة المالية على مدى العامين المقبلين. كما تعكس تلك الخطوة أيضاً توقع تراجع معدلات الطلب على النفط من بعض أكبر المشترين الآسيويين بسبب تداعيات انتشار COVID-19. من جهة أخرى، تم تخفيض التصنيف السيادي لسلطنة عمان بشكل أعمق إلى درجة ما دون الاستثمار من BB + إلى BB مع نظرة مستقبلية سلبية. وعكس خفض التصنيف مجدداً مدى الضغوط المالية والخارجية الناتجة عن تراجع أسعار النفط، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى تسارع وتيرة تدهور الأوضاع المالية للسلطنة. ورأت وكالة التصنيف الائتماني ان النظرة المستقبلية السلبية تعكس المخاطر، رغم خطط الضبط المالي التي تطبقها السلطنة، وإن التنفيذ قد يكون غير كاف لكبح ارتفاع الديون.ومن جهة "كامكو إنفست"، نرى أن توقعات "ستاندرد اند بورز" لأسعار النفط تظهر نظرة متشائمة لسوق النفط خلال العام الحالي، حيث يعتبر توقعها أن يصل متوسط سعر النفط إلى 30 دولارا للبرميل منخفضا، إذ إن متوسط التوقعات لخام برنت وفقا لتقديرات المحللين يأتي عند 44 دولارا للبرميل لعام 2020، و55 دولارا لعام 2021. الذي كما نرى أن الوضع الحالي لأسعار النفط يشير إلى الافراط في عمليات البيع، وانتشار حالة من الذعر على خلفية تفشي COVID-19، إلى جانب زيادة المعروض النفطي نتيجة لفشل اجتماع "أوبك" وحلفائها. ونرى أن توقع هذا المستوى المنخفض غفل عن مراعاة التوقعات الخاصة بانخفاض العرض من جهة منتجي النفط الصخري، نظراً لإعلان معظم الشركات في ذلك المجال خفضا حادا في نفقاتها على المدى القريب. وتشير بعض البيانات إلى تراجع أنشطة الإنتاج في الولايات المتحدة، رغم تأكيدات الحكومة دعمها للقطاع. كما نعتقد أن انتعاش الطلب على النفط خلال النصف الثاني من عام 2020 من شأنه أن يساهم في تعزيز أسعار النفط. وبناء على ذلك، نرى أن إجراءات التصنيف الائتماني تعتبر سابقة لأوانها، كما انها اخفقت في عكس النقاط الإيجابية المتوقعة على صعيد سوق النفط خلال النصف الثاني من 2020، والتي تشمل ارتفاع الطلب على خلفية تراجع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة المتوقعة في إنتاج الكويت بعد انتهاء أجل اتفاقية خفض حصص الانتاج من شأنها أن تعوض بعض المخاوف المتعلقة بانخفاض الإيرادات النفطية. ووفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرغ، يصل فائض الطاقة الانتاجية للكويت إلى نحو 0.4 مليون برميل، الأمر الذي سيزيد إنتاجها الحالي من النفط من 2.7 مليون برميل يومياً إلى 3.1 ملايين برميل يوما، إذا استخدمت كل طاقتها الإنتاجية. كما ان تلك الأرقام لا تشمل حصة الكويت من انتاج النفط في المنطقة المحايدة مع السعودية والذي يصل إلى حوالي 0.5 مليون برميل يومياً. أما من حيث الإيرادات الحكومية، فإن أدوات تطبيق ضريبة القيمة المضافة وفرض ضرائب انتقائية لاتزال متاحة أمام الحكومة ويجب تنفيذها عند الحاجة.
تداعيات خفض التصنيف الائتماني
تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها «ستاندرد اند بورز» بخفض التصنيف الائتماني للكويت منذ عام 2011، حيث ظلت تصنيفات الكويت الائتمانية مستقرة حتى خلال أزمة النفط في عام 2016. وبالتالي فإن التصنيفات المنخفضة في رأينا تضع الكويت على قدم المساواة مع بعض المصدرين الرئيسيين الآخرين في دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً لتحليلنا لحساسية الموازنة تجاه أسعار النفط نقدر أن يصل العجز إلى 215 مليون دينار في موازنة السنة المالية 2020/2021، في ظل تغيير سعر النفط بواقع 1 دولار للبرميل بمعدل إنتاج 2.8 مليون برميل يومياً. إلا اننا نعتقد أنه في ظل قوة الوضع المالي للكويت فيما يتعلق بتمويل العجز وتعزيز نمو القطاع غير النفطي، لا تزال النفقات الرأسمالية عند مستويات مريحة في ظل توافر الأصول الحكومية التي تتخطى حاليا 4.6 أضعاف تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للعام 2020. كما نرى أن عجز الموازنة يمكن أن يعالج من خلال إصدار أدوات الدين إذا سمح قانون الدين الجديد بفتح المجال أمام الحكومة لاتخاذ هذا المسار على مستوى الأسواق العالمية. من جهة أخرى، فإنه رغم أن خفض التصنيف الائتماني يعني زيادة تكاليف الاقتراض، فإننا نشعر أن البيئة الحالية التي يسودها تراجع أسعار الفائدة، وقلة حجم ادوات الدين التي أصدرتها الكويت حتى الآن مقابل نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي ستخلق طلباً هائلاً على إصدارات الدولة. كما يمكن أن تترجم هذه الخطوة أيضاً في هيئة خفض تصنيفات الشركات التي ترتبط إيراداتها بشكل وثيق بالإيرادات النفطية الكويتية، بما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة بتلك الشركات. وتظل المخاطر المترتبة على ترحيل الديون قصيرة الأجل عند أدنى مستوياتها، حيث إن نسبة 85 في المئة تقريباً من كل ديون الشركات تحمل تاريخ استحقاق بعد عام 2021، إلا أننا نعتقد أن الشركات التي تتمتع بارتفاع صافي الاستحقاقات النقدية مقابل إجمالي الديون ونسبة نقد مرتفعة لتغطية خدمة الدين من شأنها أن تستفيد من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. أما فيما يتعلق بربط الدينار الكويتي بسلة من العملات، فما زلنا نشعر بالارتياح، حيث لاتزال المستويات الآجلة للدينار مدة 12 شهرا أقل بكثير من مستويات الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ومستويات أزمة النفط في عام 2016، بما يشير إلى استقرار الدينار في المستقبل.