يبدو أن الوباء الذي سبّبه فيروس كورونا كان مجرّد عذر للكشف عن مشاعر متراكمة على مر سنوات من الإحباط الخفي وانعدام الثقة بين واشنطن وبكين.يوحي تسمم العلاقات بين الولايات المتحدة والصين باندلاع حرب باردة جديدة، ولن يكون نسيانها سهلاً هذه المرة! حتى أنها قد تفرض وضعاً اعتيادياً جديداً بين البلدين، إذ يصعب أن نتخيل عودة العلاقة الثنائية بينهما إلى ما كانت عليه قبل وباء "كوفيد-19" في أي وقت قريب، أو في أي يوم على الإطلاق، حيث بنظر جميع الملتزمين بالحفاظ على النظام العالمي بالشكل الذي نشأ بعد عام 1945، وأثبتت تحركات بكين أن ادعاءاتها القديمة عن المشاركة في حكم العالم مشكوك بها أو حتى باطلة، مع أن وضع العالم اليوم بات بأمسّ الحاجة إلى هذا النوع من الالتزام.
لكن هل نحن أمام حرب باردة جديدة فعلاً، مع جميع الدلالات التي توحي بنشوء صراع وجودي؟ وما الذي يدفع واشنطن التي تواجه أصلاً انهياراً اقتصادياً وطبياً إلى قيادة المعسكر المعارِض لمقاربة شي جين بينغ الهجومية العالمية؟ لقد أصبحت المخاطر المطروحة على النظام الليبرالي هائلة، فإذا نجح النظام الصيني في إعادة كتابة التاريخ وتهرّب من الرقابة أو الضغوط لتغيير سلوكه، فسيبقى العالم معرّضاً للمخاطر بسبب أي إخفاقات صينية مستقبلية في مجال الصحة العامة والبيئة، كذلك، ستُضاف البلدان التي قبلت "مساعدات" الحكومة الصينية الطارئة، على غرار إيطاليا وإسبانيا وصربيا، إلى الدول التي يزداد اتكالها على التجارة الصينية عن طريق مبادرة "حزام واحد طريق واحد"، من المتوقع أن ينشئ هذا الوضع كتلة سياسية موالية للصين لتوسيع نطاق نفوذ بكين، مما يؤدي إلى تفاقم سلوكياتها السيئة.إذا اندلعت حرب باردة جديدة فسيتعلق هدفها فعلياً بالحفاظ على المعايير والقواعد التي استفاد منها العالم طوال سبعة عقود، لطالما اعتبرت بكين نموذجها الاستبدادي التكنولوجي متفوقاً على أشكال الحكم الليبرالي، وسيساعدها انتصارها في المعركة ضد فيروس كورونا في نشر الفكرة القائلة إن الأنظمة القمعية الغامضة التي يستعملها الحزب الشيوعي الصيني تتماشى مع موجة المستقبل. نظراً إلى نجاح الحملة الدعائية الصينية حتى الآن، فلا مفر على الأرجح من أن يخرج الحزب الشيوعي الصيني من هذه الأزمة وهو أقوى مما كان عليه، لكن يجب ألا تنسى الولايات المتحدة مطلقاً أنها تملك مئات ملايين الحلفاء وسط المواطنين الصينيين العاديين، إذ يشعر هؤلاء بأن حكومتهم تخونهم وتقمعهم، وتثبت شجاعتهم في مهاجمة المسؤولين في الحزب الحاكم وتسجيل فيديوهات مريعة عن الوضع هناك بأنهم يطالبون بقادة يتمتعون بحس المسؤولية والإنسانية، كذلك يجب أن تكسب البلدان الأخرى التي حاولت تحذير العالم في مرحلة مبكرة، على غرار تايوان، دوراً متزايداً على الساحة الدولية، وعلى المجتمع الدولي الذي يتخبط راهناً بسبب انتشار الوباء أن يؤدي دوره أيضاً، إذ ينتشر اليوم رأي قانوني يدعو إلى محاسبة بكين بسبب إخفاقاتها في بداية الأزمة بموجب القانون الدولي.لا يزال الوقت مبكراً كي نفهم كامل نطاق هذه الحرب الباردة الجديدة، لكن يكفي أن نقول إن النموذج القديم تحطّم بالكامل ويحق للرئيس الصيني شي جين بينغ أن يخشى اضطرار الصين الآن لاكتساب ثقة العالم من جديد، وفي مطلق الأحوال، من المتوقع اليوم أكثر من أي وقت مضى أن ينشأ صراع طويل بالوكالة بين واشنطن وبكين بناءً على الحملات الدعائية المتبادلة، وفي ظل احتدام العواطف اليوم يرتفع أيضاً احتمال حصول مواجهة مسلّحة، عن قصد أو عن غير قصد، بين البلدين، وفي النهاية قد يكون النصر حليف الاقتصاد الذي يثبت قوة تحمّله في وجه فيروس كورونا: سيتّضح حينها أقوى نظام قائم على أرض الواقع!* مايكل أوسلين* «ريل كلير»
مقالات
هل بدأت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين؟
31-03-2020