أكد صندوق النقد الدولي أن باستطاعة الكويت تحمل الصدمات الأخيرة من منطلق قوتها، فالأصول الوفيرة في بنك الكويت المركزي، والاحتياطات التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار، ومساحة الإقراض الكبيرة للقطاع المصرفي تدعم مرونة المالية العامة للدولة في مواجهة الصدمات.جاء ذلك في البيان الختامي لصندوق النقد الدولي الذي نشره أمس على موقعه الإلكتروني بمناسبة اختتام مشاورات عام 2020 مع الكويت بموجب المادة الرابعة من اتفاقية إنشاء الصندوق، إضافة إلى ملحق توضيحي عن آثار انتشار فيروس كورونا.
وأضاف أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاعات غير النفطية في الكويت تعزز إلى نحو 3 في المئة عام 2019 مدفوعا بالإنفاق الحكومي والإنفاق الاستهلاكي، وسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع النفطي انكماشا بنحو 1 في المئة في ظل اتفاقية (أوبك +) (بين منظمة الدول المصدرة للبترول ودول من خارجها).وبين أن حيز المالية العامة الأساسي تقلص في السنة المالية 2018/2019، إذ تراجع رصيد الموازنة العامة غير النفطي (باستثناء دخل الاستثمارات الحكومية) كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي مع استمرار ارتفاع الإنفاق الحكومي، وبقيت الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة (بحساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة واستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية) كبيرة عند نحو 7.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.ورأى صندوق النقد أنه بالنظر إلى «انتهاء الإذن للحكومة بالاقتراض العام منذ أكتوبر 2017 فإنها لم تتمكن من إصدار دين جديد، مما أدى إلى الاستمرار في اللجوء إلى السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام لتمويل العجوزات في الموازنة العامة».وتوقع أن يؤدي السحب المستمر من الأصول المالية لصندوق الاحتياطي العام إلى تراجع الأرصدة الإجمالية والسائلة إلى نحو 56 و24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الترتيب في يونيو 2019، مبينا أنه على الرغم من ذلك واصلت أصول صندوق الأجيال القادمة وصندوق الاحتياطي العام نموها.وعن تقييم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أفاد بأن التحدي المتمثل في تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز المدخرات أصبح أكثر إلحاحا وتؤثر التوقعات المنخفضة للايرادات النفطية على النمو في المدى القريب من جهة وأرصدة المالية العامة والخارجية من جهة أخرى، وزاد هذا من الحاجة إلى الإصلاحات لإنشاء قطاع خاص نشط وضمان الادخار الكافي من ثروة النفط للأجيال القادمة.وأوضح أن الكويت تمتلك احتياطيات مالية كبيرة وديونا عامة منخفضة لكن تضيق تلك الفرص في مواجهة تحدياتها من موقع قوة، مشيرا إلى أنه بدون تصحيح مسار المالية العامة للدولة ستزداد التحديات المالية والتمويلية حدة، فالارتفاع الأخير في الإنفاق العام أضعف الوضع المالي الأساسي للدولة.وقال إنه في ظل استمرار السياسات المالية الحالية سيتحول رصيد المالية العامة إلى عجز متزايدوبعد حساب التحويلات الإلزامية إلى صندوق الأجيال القادمة ستصبح الاحتياجات التمويلية كبيرة على المدى المتوسط ما يستوجب النظر إلى الاقتراض العام كحل مؤقت يؤدي إلى إبطاء استنفاد الأصول المالية السائلة إلا أنه سيؤدي إلى تراكم سريع للديون الحكومية.وأضاف أن الكويت تحتاج إلى تصحيح مالي طموح ومناسب للنمو وعادل اجتماعيا و»التصحيح المقترح من قبل خبراء الصندوق سيخفض الإنفاق الحكومي الجاري من خلال معالجة جمود الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات غير النفطية وخلق مساحة للاستثمار المعزز للنمو».وأكد البيان الختامي للصندوق ضرورة إصلاح فاتورة الأجور العامة الكبيرة وإلغاء الدعوم الحكومية والتحويلات المعممة لصالح خطط التعويض المستهدفة في حين يستوجب على الحكومة في مجال الايرادات العامة الشروع في مشاورات واسعة النطاق ومضاعفة الجهود لإشراك مجلس الأمة ومواصلة العمل الفني بشأن الضرائب على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وضريبة القيمة المضافة.وذكر أن إطار المالية العامة القائم على القواعد سيحسن إدارة الإيرادات النفطية ومن شأن وجود تلك الأطر المالية أن يساعد في ربط السياسة المالية بهدف طويل الأجل للمساواة بين الأجيال كما أن القاعدة المالية المعايرة بشكل جيد تساعد في التوفيق بين المدخرات طويلة الأجل وأهداف الاستقرار الاقتصادي على المدى القريب.ورحب خبراء الصندوق في البيان بالجهود المتواصلة التي يبذلها «المركزي» الكويتي لإعادة معايرة الأدوات التحوطية الكلية لتحقيق التوازن بين الاستقرار المالي واعتبارات النمو الاقتصادي كما أن تخفيف سقف سعر الفائدة على القروض التجارية تدريجيا من شأنه أن يوسع الإقراض لقطاعات السوق الجديدة.ولفت صندوق النقد الدولي إلى أن مواصلة الإصلاحات لتعزيز النمو المتنوع بقيادة القطاع الخاص ستكون حاسمة ومع تقليص نمو العمالة في القطاع العام يجب أن ينشأ قطاع خاص نابض بالحياة لاستيعاب العدد الكبير من الكويتيين الذين يدخلون سوق العمل في السنوات القادمة.وأشار إلى أن تمكين القطاع الخاص يتطلب من الازدهار تقليص تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتعزيز المنافسة في السوق وتحسين بيئة الأعمال وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي بذل المزيد من الجهود لإصلاح إطار الإعسار والحد من اللوائح المفرطة وتسهيل التجارة عبر الحدود.وبين أنه بهدف تحفيز الكويتيين على البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص ينبغي تقليص فجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص مصحوبا بإصلاح برامج التعليم والتدريب لتعزيز روح المبادرة وتزويد الخريجين بالمهارات اللازمة للوظائف المطلوبة.وذكر أنه بعد قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة على الدولار إلى الصفر قام المركزي الكويتي بخفض أسعار الفائدة على جميع أدوات السياسة النقدية بمقدار نقطة مئوية واحدة والتزامه بتوفير السيولة حسب الحاجة، إلى جانب ذلك أنشأ «المركزي» صندوقا قيمته 10 ملايين دينار (نحو 30.3 مليون دولار) بتمويل من البنوك الكويتية لدعم جهود الحكومة في مكافحة الفيروس.وأشار الصندوق إلى أن هذه التطورات أدت إلى تفاقم التوقعات على المدى القريب وزيادة حالة عدم اليقين مقارنة بتقرير خبراء الصندوق، مبينا أن تفشي فيروس كورونا وإجراءات احتوائه سيؤثران على النشاط الاقتصادي ولكن يصعب تحديد حجم التأثير، فعمق الصدمة ومدتها مازالا غير معروفين.وتوقع الصندوق تباطؤا في القطاعات غير النفطية خلال العام الحالي ويتبعه انتعاش في عام 2021، إذ قام خبراء الصندوق بمراجعة توقعاتهم لنمو القطاعات غير النفطية إلى ما نسبته 2 و4 في المئة لعامي 2020 و2021 على الترتيب، مقارنة بنمو بنحو 3 و3.5 في المئة على الترتيب.وقال إنه يجب أن تكون الأولوية الفورية لاحتواء انتشار الفيروس وتخفيف آثاره الاقتصادية، موضحا أن احتواء الإنفاق العام في الموازنة سيسمح بخلق مساحة كافية لاستيعاب الإنفاق على الرعاية الصحية الإضافية في المقام الأول، من خلال إعادة ترتيب أولويات المشاريع الرأسمالية.وأكد صندوق النقد الدولي أن الكويت تستطيع تحمل الصدمات الأخيرة من منطلق قوتها، فالأصول الوفيرة التي يتمتع بها «المركزي» والاحتياطيات الكبيرة التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار التي تقدر بنحو 435 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما يتمتع به القطاع المصرفي من مساحة كبيرة للاقراض ومعدلات الرسملة الجيدة تدعم المرونة المالية للدولة في مواجهة الصدمات.
ضرائب نوعية
قال صندوق النقد «يجب على الكويت أن تدرس فرض ضرائب نوعية على دخل الشركات، والمنتجات الفاخرة، والدخل الشخصي للأثرياء».ضمان سيولة كافية
قال الصندوق إن على السلطات ضمان وجود سيولة كافية في القطاع المصرفي، وقد تحتاج إلى توفير دعم مؤقت وموجه للشركات المتضررة بشدة والتي تكون قابلة للاستمرار، خصوصا الشركات الصغيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط مرة أخرى يؤكد الحاجة لقاعدة مالية تعزل الاقتصاد من التقلبات المفرطة في أسعار النفط، مع ضمان مستويات من الادخار تكون كافية للمستقبل.متانة القطاع المصرفي
أكد صندوق النقد الدولي متانة القطاع المصرفي، إذ بلغت نسبة كفاية رأس المال في القطاع المصرفي نحو 17.6 في المئة في سبتمبر الماضي، في حين تتمتع البنوك بسيولة وفيرة على المدى القصير وبقاء معدل صافي القروض غير المنتظمة بعد خصم المخصصات المحددة منخفضا، في حين أن مخصصات خسائر القروض مرتفعة وانخفض صافي دخل الفوائد بسبب تضييق الهوامش بين معدلات الإقراض المصرفي وتكلفة الأموال.تدهور أسعار النفط
أبقى الصندوق على توقعاته المرتبطة بإنتاج النفط دون تغيير، نظرا لتزايد حالة عدم اليقين، إذ تشير الافتراضات المعدلة لأسعار النفط إلى تدهور أكثر حدة في الأرصدة المالية والخارجية، كما يشير انخفاض سعر النفط عام 2020 إلى تراجع الأرصدة المالية والخارجية بما نسبته 12 و13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما سيزيد الاحتياجات التمويلية وبالتالي تراجع الاحتياطيات بوتيرة أسرع مما هو متصور في تقرير الخبراء.