الكلمة!
![د.نجم عبدالكريم](https://www.aljarida.com/uploads/authors/23_1682354851.jpg)
***• ولما منَّ الله على البشرية بالإسلام، الذي تميز كتابه المقدس بالإعجاز البلاغي، فما هي إلا سنوات قليلة على بزوغه، حتى أفرزت مدرسته للبشرية كوكبة ممن تملكوا ناصية البلاغة بكل مفرداتها نثراً وشعراً وخطابة.***• وإذا أمعنا النظر في أغلب ما وصل إلينا مما كتبه عرب ما بعد الإسلام فسنجد أن الأغلبية منهم كانوا من المتميزين، بل كانوا هم الصفوة المعبرة عن خصوبة ما كانت تتمتع به من حدة تفكير وخصوبة خيال بابتداع مفرداتٍ قلَّ أن نجد لها نظيراً في اللغات العالمية الأخرى.***• وتحضرني بهذا الصدد حادثةٌ ذُكرت في العديد من المراجع التاريخية والأدبية؛ وقعت بين الشاعر حسان بن ثابت والنابغة الذبياني، الذي كانت تُنصب له خيمة في موسم سوق عكاظ، حيث يجتمع فيها إليه عدد من الشعراء، فدخل إليه حسان وكان عنده الأعشى، والخنساء التي كانت تُنشد هذه الأبيات: قذىً بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ... أمْ ذرَّفتْ إذْ خلتْ منْ أهلِها الدَّارُحتى انتهت إلى قولها:وإن صخراً لتأتمّ الهداة به... كأنه علمٌ في رأسه نارُفقال لها الذبياني: لولا أن أبا بصير –يقصد الأعشى– أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس. وهنا تدخل حسان فقال: أنا والله أشعر منك ومنها. فرد عليه الذبياني: أنشدني شعراً يُثبت ما تقول. فقال حسان:لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دماولدنا بني العنقاء وابني محرقٍ ... فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنمافقال له الذبياني: إنك يا حسان لشاعر، لولا أنك قلت "الجفنات" فقللت العدد، ولو قلت "الجفان" لكان أكثر، وقلت "يلمعن بالضحى"، ولو قلت "يبرقن بالدجى" لكان أبلغ في المديح، وقلت "يقطرن من نجدة دما" فدللت على قلة القتل، فلو قلت "يجرين" لكان أكثر لانصباب الدم، وفخرت بمن وَلدت ولم تفخر بمن ولدك.***• أسوق مقالة اليوم معزياً فيها قتل الكلمة التي نشهد جنائزها كل يوم عبر وسائط الإعلام.