أيام صعبة قادمة
من دون أي استثناء الكل متضرر من "كورونا" ومن سعر برميل النفط، والدولة هي أكبر المتضررين، ويستحيل تعويض خسارتها الكبيرة، وإذا تضرَّر الأفراد أو المؤسسات، فإنهم يلتفتون إلى الدولة لتعويضهم عن الضرر. والعادة التي خبرناها في السابق، مثلما حدث في سوق المناخ عام 82، وبعد التحرير من الاحتلال العراقي، وبعد أزمة 2008، أن الدولة تعوِّض المتضرر وغير المتضرر، فيستفيد القلة بحجة ضرر الكثرة.ناصر النفيسي مدير مركز الجمان تحدَّث عن دعوة بعض المؤسسات التجارية للدولة لتعويضهم بعشرين مليار دينار، ولا أحد يعلم كيف تم تحديد هذا المبلغ الكبير، وهل هذا يشمل كل الأضرار التي لم تقدَّر بعد؟ وأهم من هذا؛ كيف نتخيَّل أن الدولة يمكنها أن توفر هذا المبلغ الفلكي من دون الاقتراض وتبديد احتياطي الأجيال، بعد أن بدد الاحتياطي العام؟طبيعي أن القطاع الخاص تضرر، وأكثر المتضررين ومَنْ تجرَّع مرارة "كورونا" هم أصحاب الأعمال الصغيرة والمهن، وتمديد أقساط القروض لهم أو تعويضهم ضرورة. أما أصحاب الأعمال الضخمة من الذين كنزوا البلايين في بلد له وضع غريب، حيث لا توجد فيه ضريبة، فهم يستطيعون تحمُّل الخسائر، إلى حدود معيَّنة، والبنوك قد تكون فيما بعد بحاجة إلى الدعم، متى تحققت أضرار مالية لا يمكن تعويضها من سنوات الربح الماضية.
أيضاً في هذه الأيام الكئيبة، تروَّج لغة نازية ملتهبة ضد الوافدين يتداولها مرضى غرقى في دنيا الأنانية المتعالية، موضوعهم المفضَّل العمالة المصرية وغيرها، وكأن هناك ثأراً ضدهم. يدرك كل صاحب عقل أن تلك العمالة لم تهبط من السماء، فكثير من هؤلاء العمال جاؤوا بعد أن دفعوا إتاوات من معاناتهم وبؤسهم لتجار الإقامات، الذين تحالفوا بالوساطات والمحسوبيات والرِشا مع متنفذين أو موظفين في جهاز إقامة الأجانب، وكانت النتيجة هذا الوضع اللاإنساني والشاذ. تجار السوء هؤلاء، ومعهم أيضاً أصحاب العقارات الذين كدَّسوا تلك العمالة في غرف البؤس في الجليب، لم يكن أحدٌ يقترب منهم، بسبب أوضاع الفساد الإداري. هذا لا يعني أن أوضاع العمالة السائبة كما يقولون صحيحة، ولا يعني أن تترك قضية التركيبة السكانية دون حلٍّ إلى أجل غير معلوم. التحرك الآن مطلوب، لتصحيح هذا الوضع الأعوج، كي نخفف عن الدولة حملها الثقيل.الأمور تسير للأسوأ، وأيام صعبة وبائسة قادمة، وكان أولى أن نعمل حساب هذا اليوم منذ زمن بعيد، إلا أنه متى خلصت النوايا يمكن تدارك بعض ما فات من دون السقوط في أحلام اليقظة بالعودة لأيام الرخاء بزمن مضى، فهذا مستحيل. الكويت اليوم بحاجة إلى أناس مخلصين مستعدين للتضحية، مثلما يفعل جماعة الطاقم الطبي، بكل فئاتهم، ومعهم الكثير من العاملين في وزارة الداخلية والأمن، وليست بحاجة إلى جماعات أنانية مرتعبة من تحدي الحاضر تظل تردد بكسل أناشيد وطنية، وتهز رؤوسها منتشية بطرب الكلمة واللحن، وكأنها بذلك تسدد مديونيتها لهذا الوطن، وهذا نوع من خداع النفس... لنتحمَّل، ونستعد نفسياً من الآن، فالقادم سيكون مؤلماً.