نجاح مواجهة «كورونا» مرهون بالاستفادة من دروس الأزمة
أهمها تجارة الإقامات والمخزون الغذائي ومدخرات الدولة والعلاقة مع القطاع الخاص
ثمة نقاش مجتمعي يدور هذه الأيام حول مدى كفاءة الإدارة الحكومية في التصدي لأزمة انتشار فيروس كورونا، وتداعياتها المحلية، لا سيما على القطاع الطبي، وبقية القطاعات الأخرى وثيقة الصلة، كالأمن والتعليم والخدمات، فضلاً عن الاقتصاد. وإذا كان الإنصاف يحتم الإشادة بمجمل الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الإدارة الحكومية لتجنب تفشي الفيروس في دولة الكويت، فإن الحكمة تقتضي التروي في وصف ما حدث بـ "النجاح"، إلا بعد أن يتم الاستفادة من دروس الأزمة، ومعالجة قضايا شائكة ظلّت عالقة سنوات طويلة، ومثّلت هذه الأيام ثغرات يمكن لبعضها أن يفاقم وضع الأزمة، وأن يمثل عبئاً على الجهود الحكومية في التصدي لتداعياتها.
التركيبة والإقامات
وأول الدورس المستفادة من أزمة "كورونا" يتمثل بضرورة العمل الجدي لتعديل التركيبة السكانية إلى نسب محددة تقلل من الاختلال الحالي البالغ 30 في المئة للمواطنين، و70 في المئة للمقيمين. ومدخل الحل هنا ليس الخطاب العنصري الذي سيطر على هذا الملف خلال السنوات السابقة، بل محاربة تجارة الإقامات بكل ما يرتبط بها من عمالة رخيصة وهامشية تقبل بالأجر اليومي، والسكن المخالف للاشتراطات الأمنية والصحية وحتى الإنسانية الملائمة، وبلا شك فإن تعديل التركيبة السكانية، إن أفلحت جهوده، سينعكس إيجاباً على جودة الاقتصاد باعتبار هذا الملف أحد اختلالاته، وسيمتد الأثر على الدولة إيجاباً ليس فقط على توفير الجانب المالي، بل على جوانب مهنية وصحية وأمنية متعددة.المخزون الغذائي
أما الدرس الثاني المستفاد من الأزمة فيتعلق بأهمية المخزون الغذائي، وكيفية تنميته وإدارته وأمنه ومعرفة مواطن القوة والضعف فيه، ولعل شركات الأمن الغذائي كالمطاحن والمواشي وغيرها من شركات الدواجن والألبان وغيرها، حكومية وخاصة، شكّلت جانب القوة في هذا الإطار في الإنتاج المحلي والاستيراد- حتى الآن- في حين كانت بعض القسائم الزراعية ومعظم "الجواخير" نقاط الضعف في هذه الأزمة، لاسيما أن كثيراً منها وزع من باب الترضيات والتنفيع وليس وفق معايير الأمن الغذائي، وهذا تحدٍّ متعاظم خصوصاً مع تحذيرات عالمية من مخاوف تأثر سلاسل إمدادات الغذاء بتطورات فيروس كورونا... وستظل مسألة إدارة المخزون الغذائي من أهم تحديات أزمة "كورونا"، مما يستدعي أن تشمل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص تدعيم الصناعات الغذائية لتنمية المخزون والأمن الغذائيين على المدى الطويل.مدخرات الدولة
في هذه الأزمة تبينت الحاجة الفعلية إلى مدخرات الدولة واحتياطياتها، التي تم استنزاف جزء كبير منها خلال 5 سنوات، مما أدى إلى تراجع قيمة الاحتياطي العام من 60 مليار دينار إلى نحو 21 ملياراً، واليوم الدولة بحاجة إلى الأموال لتعويض العجز المتوقع في الميزانية الناتج عن تدهور أسعار النفط، وللإنفاق على الاحتياجات الضرورية من مسلتزمات الصحة والغذاء والوقاية، وبالتالي فإن هدر السنوات الماضية من أموال الدولة في ميزانيتها السنوية والاحتياطي العام، واحتمال السحب من احتياطي الأجيال القادمة يجب أن يتم مراجعته في اتجاه سياسات إنفاق متحفظة، والعمل على تعظيم إيرادات الدولة غير النفطية، كدرس في حصافة الإنفاق وتمويل الإيرادات، فضلاً عن التعامل بجدية أكبر مع الدرس القديم المهمل المتعلق بمخاطر الاعتماد على مصدر وحيد للدخل كالنفط.العام والخاص
من الدروس المهمة في أزمة كورونا ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين القطاعين العام والخاص، فقد عيب على هذا الأخير طلبه الدعم المباشر، رغم عدم مرور شهر على الأزمة، وفتحت نقاشات حول مدى أهمية القطاع الخاص، وقدرته على إدارة الأزمة، لو كانت قطاعات الصحة والتعليم والجمعيات التعاونية تحت إدارته أو ملكيته، خصوصاً أن مساهمته في ملفي الضريبة والعمالة الوطنية في أحسن الأحوال غير أساسية، الأمر الذي يستوجب في الأيام المقبلة إعادة صياغة العلاقة بين القطاعين العام والخاص لمصلحة مشاريع الشراكة وأنظمة الـ "bot"، وأن تكون عمليات الخصخصة تصاعدية في قطاعات ثانوية مع تقييم نجاحها من فشلها، إضافة إلى تقوية دور الهيئات الناظمة التي تضمن سيادة معايير مهمة في أي اقتصاد مفتوح، كالمنافسة وحرية التجارة وتوفر المنتجات بأسعار متاحة للمستهلكين... وربما كانت فكرة إنشاء صندوق تأمين لمخاطر الأعمال يموّله القطاع الخاص جديرة بالدراسة، أو على جانب آخر تعزيز مجالات التأمين ليغطي أنشطة وقطاعات غير مشمولة أو واضحة سابقاً.ويمكن لمثل هذا الصندوق أو التوسع في التأمين، تغطيةُ جانب مهم من الأضرار الفعلية لأصحاب الأعمال بسبب الإغلاق القسري الناتج عن تفشي الفيروس.التعليم عن بُعد
ولعل أزمة كورونا أظهرت ضعفاً في البنية التحتية للتكنولوجيا والخدمات الإلكترونية، رغم مرور سنوات في الحديث عن الحكومة الإلكترونية والتعليم عن بُعد لطلاب المدارس والجامعات، وهذا الضعف لا يتناسب مع طبيعة التطور العالمي في هذا المجال، فلا يُعقَل أن يتوقف التعليم لعدم استعداد وزارة التربية، أو حتى أن تتوقف خدمات الدولة ومعاملاتها أو تتباطأ لعدم استعداد بقية الوزارات التكنولوجي رغم أن ميزانية الدولة مليئة ببنود الصرف الخاصة بتطوير التكنولوجيا على الأفراد والمعدات والأجهزة. هذه الدروس الأولية لأزمة كورونا، وربما يضاف إليها غيرها في المستقبل، إذ لا يعرف أحد متى يتجاوزها العالم، تتطلب معالجات على مختلف المستويات، خصوصاً أن بعضها كان نتيجة تراكمات فساد واضح كتجارة الإقامات وتوزيع الحيازات الزراعية، وقسائم الثروة الحيوانية على غير المستحقين، أو بسبب تراكم الإهمال واللامبالاة الحكومية كاستهلاك الاحتياطي العام، وريعية القطاع الخاص، والتكاسل عن تطوير الخدمات الإلكترونية، خصوصاً التعليمية منها... وعند التعامل بجدية مع دروس الأزمة يكون النجاح الحكومي وقتها بالفعل باهراً، ويعطي الأمل أن تغييراً إصلاحياً كبيراً قد حدث في آليات العمل الحكومي على المدى الطويل.
بعض جوانب الأزمة ناتج عن تراكمات فساد واضح كتجارة الإقامات وتوزيع الحيازات وبعضها بسبب تراكم الإهمال الحكومي
الفيروس كشف ضعف البنية التحتية للتكنولوجيا لاسيما في التعليم عن بُعد
ربما كانت فكرة إنشاء صندوق تأمين لمخاطر الأعمال يموِّله القطاع الخاص جديرة بالدراسة أو تعزيز مجالات التأمين
الفيروس كشف ضعف البنية التحتية للتكنولوجيا لاسيما في التعليم عن بُعد
ربما كانت فكرة إنشاء صندوق تأمين لمخاطر الأعمال يموِّله القطاع الخاص جديرة بالدراسة أو تعزيز مجالات التأمين