في الجزء الأول من هذه المقالة، تم استعراض جوانب مشرقة ومضيئة في حياتنا الوطنية برزت منذ بداية أزمة فيروس كورونا العالمية، ليس أقلها ما أظهرتها قيادة البلاد وإداراتها التنفيذية من كفاءة وتبصر وحزم وهي تتعامل مع الجوانب المتشعبة لتحدي الكورونا، وجاء تسليم الحكومة للإدارة اليومية والمباشرة لهذه الجائحة لوزارة الصحة من قبيل «إعطاء القوس لباريها»، وفي الجزء الثاني من المقالة سنطرح بعض الخواطر والتأملات حول حتمية مباشرة التفكير لمرحلة الكويت ما بعد كورونا.وأولى هذه الخواطر هي مشكلة التركيبة السكانية التي أهملت طويلاً حتى تغولت، وإنني هنا أطالب مجلس الأمة بإصدار تشريع عاجل يجرم التجارة بالإقامات وجلب العمالة الهامشية وغيرها تحت ادعاءات توظيف وهمية، ولابد أن ينص هذا التشريع على أن المتاجرة بالإقامات هي خيانة وطن، وليس من العدالة هنا أن نرمي اللوم على الوافد الفقير الذي أتى لكسب العيش فوقع ضحية لمواطن جشع أتى به إلى الكويت ومن ثم ألقى به في الشارع للبحث عن لقمة العيش والسكن.
وإذا كانت مصالح البلاد العليا تقتضي تقديم أنواع من الدعم والمساعدة للدول الصديقة فإن مصلحة البلاد تقتضي في الوقت نفسه وألا تتضمن مثل هذه المساعدات التكديس الخطير للعمالة الهامشية في البلاد من أي دولة كانت، وهذا أمر سيادي لا جدال حوله لجميع الدول، ويجب ألا يخضع لمساومات أو مجاملات سياسية مهما عظمت أهمية الأصدقاء.أما القضية الثانية فهي أهمية مضاعفة الاستثمار في منظومتنا الصحية، فبالرغم من أنها لم تحصل في السابق على ما كانت تطمح إليه من اعتمادات لتطوير إمكاناتها، فقد فاجأت المنظومة الصحية الكويتية الجميع بمتانتها وجدارتها وكفاءة منتسبيها من أطباء وغيرهم، وهكذا فقد ثبت للجميع أن الاستثمار في صحة المواطن له الأولوية، ولعل هذا النجاح الباهر للمنظومة الصحية يقنع الدولة بالعمل على إنهاء الهدر والخروقات الخطيرة التي ترتكب في نطاق العلاج في الخارج. فقد حول بعض أعضاء مجلس الأمة موضوعاً إنسانياً إلى أداة رخيصة للتكسب الانتخابي يقابله تراخٍ حكومي غير معقول، وإذا ما وظفت مصاريف العلاج في الخارج وهي مئات الملايين في تطوير المنظومة الصحية للبلاد، فلن تعود هناك حاجة لإرسال كل هذه الأعداد للعلاج في الخارج.والقضية الثالثة هي أهمية القيام بالتفاتة كبرى للتعليم بمشاكله المعروفة مع إبداء الأهمية القصوى لجانبيه التربوي والسلوكي، وقد كان من المفرح هنا أن الإعلام خلال الأزمة الراهنة أبرز وكرس سلوكيات عامة جميلة لدى الجمهور في الكويت مما يستوجب التركيز عليها تعليمياً، فقد أثبتت محنة كورونا شيئين لا خلاف عليهما: الأول هو أن الشعب الكويتي ليس فوضويا أو متمردا كما يعتقد البعض، بل إنه شعب يحترم الحزم والقانون حين يطبق بعدالة وشفافية، والثاني هو أن الكويتيين تتوقد لديهم الوطنية في المحن، وما أجملها حين يتوقد حب الوطن في قلب الكويتي فيصبح الشعلة المضيئة لكل الجهات العاملة في مواجهة أزمة كوروناـ وعليه فإنه يجب على وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الإعلام التعاون مع الجهات المؤثرة في البلاد لتدشين حملة توعوية دائمة لحث الجميع على احترام القانون وترجيح كفة المصلحة العامة على الرغبات الفردية الآنية والاستمرار بأخلاق الكويتيين في المحن، وهي الشهامة والعطاء وروح الفريق الواحد واحترام النظام دون استثناء أو تفرقة. وأخيراً ، لقد تحقق للحكومة قدر كبير وغير مسبوق في تاريخ الكويت الحديث من المصداقية والثقة، ليس للكفاءة والحزم فقط إنما للشفافية التي أدارت من خلالها تعاملها مع الشعب، الأمر الذي أبرز إيمان الحكومة بحق الناس في أن تعرف ما يدور لديهم، وبالتالي إقناعهم بما هو مطلوب منهم في هذه الظروف، ونأمل أن توَظّف مصداقيىة وحزم الحكومة لاستعادة الهيبة الكاملة للدولة من خلال تطبيق القوانين والتوظيف الأمثل للطاقات الوطنية الخلاقة التي لمعت في عتمة كورونا.
مقالات - اضافات
الكويت ما بعد كورونا (2)
03-04-2020