عادة نحتاج إلى أن نفهم ما يحدثُ حولنا، حتى لا نفقد السيطرة عليه، لذا فإننا في هذا المقال سنتناول، باختصار، الهلع والإشاعة والسلوك الجمعي. تستخدم كلمة «الهلع» في علم الصحة النفسية للدلالة عن نوبة الهلع أو اضطراب الهلع الذي يتميز بأن تراود الإنسانَ الأفكارُ الكارثية وفكرة اقتراب الأجل والموت. فهو اضطراب يحتاج إلى تشخيص من اختصاصي نفسي، ويحتاج إلى برنامج علاجي.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كثُر استخدام كلمة «هلع» هذه الأيام، بسبب انتشار فيروس كورونا في بلدنا وبلدان العالم، فالعالم بأكمله خائف وقلق، ولكن ما الفرق بين الهلع المرَضي وهلع الناس من فيروس كورونا؟ والإجابة عن هذا السؤال تتكون من جانبين:الأول: هو أن خوف الناس وقلقهم من «كورونا» مُبَرّر لعدم وجود علاج أو لقاح لهذا الفيروس. فالقلق والهلع يعدّ أمراً طبيعياً يحدث لكل الناس والأعمار، خاصة وقت الصعوبات، وقد يكون مفيداً، لأنه يساعد الإنسان على الابتعاد عن المخاطر. والمخاطر الحالية هي مخالطة الآخرين والخروج من المنزل لغير الحاجة. فطبيعي أن يخاف الإنسان من التجمّعات، فليطمئن الجميع، فليس كل الهلع هلعاً مرضياً. كما أن الخوف والقلق يتضمنان جانباً سلوكياً، حيث يحاول الإنسان أن يُصّرف طاقة القلق والخوف لديه في القيام ببعض السلوكيات، وهذا تَمثّل في تدافُع الناس على الجمعيات التعاونية، خاصة في بداية محنة «كورونا» بالكويت لشراء المواد الغذائية واحتياجاتهم الأخرى.أما الجانب الآخر: فإن كثرة الكلام واللغط في وصف الأوضاع الصحية والاقتصادية، جعلت الناس تتهافت على تلقّي المعلومات والأخبار من مختلف وسائل الإعلام ومواقع والتواصل.ومما قد يزيد الأمر سوءا، العمل بهذه المعلومات، وإن كانت مجرد إشاعات من مصادر غير معروفة، لذا يفترض علينا، كاختصاصيين، تأكيد خطورة الإشاعات، إذ يرى خبراء علم النفس أن الإشاعات تنتشر في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، حيث يظل الإنسان يبحث عن المعلومات والأخبار، بل إن الإنسان بطبيعته يميل إلى معرفة ما هو غامض، كما أن التوتر النفسي يجعل المرء يبحث عما يساعد في طمأنته وخفض توتره، وإن كانت معلومات غير صحيحة.والخطورة في الإشاعة السلبية أنها قد تسبب فعلا سيطرة الأفكار الكارثية في أذهان الناس، وتنقلهم من القلق الطبيعي إلى المَرَضي، كما قد تساهم الإشاعات المتعلقة بتعقيم اليدين في زيادة حدة الاضطرابات النفسية لمن يعانون تلك الاضطرابات. ومن الممكن أن يسبب انتشار الإشاعات الهلعَ الجمعي، وهو الذي يسمّيه المتخصصون السلوك الجمعي السلبي، وهو سلوك ينتقل بين الجماعة، فيشبه مبدأ العدوى وانتقال المرض من شخص إلى آخر، وهذا ما جعل الناس يتدافعون في بعض البلدان على المحال التجارية، بل وتحطيمها بشكل عشوائي غير مبرر. فالسلوك الجمعي يتميز بأن يَغلُب عليه الانفعال ويغيب عنه التعقل والمنطق.إن هدفنا من هذا التوضيح هو إيصال أهمية الابتعاد عن الإشاعات ومقاومتها، كما نود أن نتشارك المسؤولية المجتمعية وتشجيع السلوكيات الإيجابية لتنتقل من فرد إلى آخر وتنتشر بين الناس، ويصبح في هذه الظروف البقاء في البيت سلوكا جمعيا كويتيا إيجابيا. * ● مها خماس اختصاصية نفسية / جامعة الكويت
مقالات
المسؤولية المجتمعية وهلع الـ «كورونا»
06-04-2020