في الأسبوع الماضي، رفضت حركة "طالبان" مقابلة فريق التفاوض الذي شمل الرئيس الأفغاني أشرف غني، فأعلن المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في بيانه: "للتوصل إلى سلام حقيقي ودائم، يجب أن توافق جميع الجهات الأفغانية الفاعلة على الفريق الآنف ذكره كي يمثّل مختلف الأطراف المعنية".

هذا الموقف ليس مفاجئاً ويُفترض ألا يُعتبر انتكاسة لعملية السلام نظراً إلى التطورات الحاصلة في الصراع ككل، بل إن "طالبان" اتخذت قراراً منطقياً بكل بساطة، مما يعني أن تُضعِف مصداقية زعيم سياسي يفتقر نظامه إلى الشرعية محلياً وخارجياً.

Ad

كان قرار غني المرتبط بتشكيل فريق للتفاوض مع "طالبان" متسرعاً، إنه مجرّد رهان خطير وقد يمعن في إضعاف عملية السلام الأفغانية، فكان من الواجب أن يبدأ الحوار الأفغاني الداخلي بعد توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتدحدة و"طالبان" مباشرةً، حيث بلغ الخطاب المرتبط بشرعية هذه العملية ذروته منذ شهر، لكن أهدرت القيادة السياسية الأفغانية شهراً ثميناً وربما أدى قرار غني بالذهاب للتفاوض وحده مع "طالبان" إلى إهدار جهود واشنطن على مر سنتين، فهل ستدعم الولايات المتحدة تحرك غني الأحادي الجانب مع أنه رفض التوصل إلى اتفاق مع عدد من خصومه السياسيين الآخرين؟ يعني دعم غني تدمير الجهود الرامية إلى حصد إجماع سياسي في أفغانستان، والأسوأ من ذلك هو تجاهل زعيم يتمتع معسكره بنفوذ قوي في شمال وغرب البلاد.

كانت ردة فعل "طالبان" متوقعة إذاً، فلم تكن الحركة لتعطي غني الشرعية التي يفتقر إليها عبر الجلوس مقابل فريق من الموالين له، حيث تدرك "طالبان" أن تحقيق الإجماع المنشود وسط النخبة السياسية الأفغانية يعني الموافقة على صيغة معيّنة لتقاسم السلطة، وهو طرح لن يقبله غني أو يعجز عن تطبيقه، فما الداعي إذاً للجلوس مع زعيم سياسي قد يخرج قريباً من معترك السياسة الأفغانية؟ لقد صعّبت الحركة مهمّة غني وتفوقت عليه حين طالبت بتشكيل هيئة تضمّ جميع الشركاء السياسيين في أفغانستان.

لن تستنكر واشنطن من جهتها موقف "طالبان" الرافض لاقتراح غني، فقد فشل هذا الأخير في التوافق مع غريمه السياسي عبدالله عبدالله على صيغة لتقاسم السلطة، حتى عندما هددت الولايات المتحدة بحسم مليار دولار من المساعدات، واعتبرت فشل القيادة "تهديداً مباشراً على المصالح الوطنية الأميركية"، ففي نظر الكثيرين في الولايات المتحدة، من الواضح أن محاولة غني محكومة بالفشل ولن تتضرر بدرجة إضافية بسبب رفض "طالبان"، حتى أن هذا الموقف الرافض يفرض على غني أن يعود إلى خانة البداية وينفذ ما تريده واشنطن ويخوض مفاوضات ناجحة مع خصومه السياسيين.

على صعيد آخر لا تريد "طالبان" أن تنفذ واشنطن تهديدها بتخفيض المساعدات إلى أفغانستان بسبب مجازفات غني، فكتب سراج الدين حقاني، نائب زعيم "طالبان": "نحن مستعدون للتعاون بناءً على الاحترام المتبادل مع شركائنا الدوليين لعقد السلام وإعادة بناء البلد على المدى الطويل. بعدما تسحب الولايات المتحدة قواتها العسكرية، تستطيع أن تؤدي دوراً بنّاءً في تطوير أفغانستان وإعادة إعمارها في حقبة ما بعد الحرب". سبق أن اكتسبت الحركة شرعية سياسية وتحتاج في المرحلة المقبلة إلى دعم الجهات المانحة الدولية كما يذكر حقاني في بيانه. لن تحبذ "طالبان" إذاً محاولة غني تهميش خصومه السياسيين وإجبار واشنطن على إطلاق تهديدات تشمل تخفيض المساعدات إلى أفغانستان.

لم تكن حسابات غني خاطئة في طريقة تعامله مع الحوار الأفغاني الداخلي فحسب، بل إنه أثبت استعداده أيضاً لإضعاف أهم الشركاء الآخرين في عملية السلام، إنها أسوأ بداية ممكنة للحوار الأفغاني!

* عمير جمال

* «دبلومات»