في 16 مارس 2020 استنكر الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيك طريقة تعامل الاتحاد الأوروبي مع وباء "كوفيد-19"، فقال: "الصين وحدها ساعدتنا"، وشكّل تعليق فوتشيك انتقاداً ضمنياً للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه نتيجة عدم تجاوبهم مع طلب صربيا للمساعدة، ولا شك أن هذا الموقف أعجب الصين التي تسعى إلى تحسين سمعتها الدولية، وفي 21 مارس وصل فريق طبي صيني إلى صربيا، وهذا ما دفع نجم التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش إلى شكر الصين على مساعدتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر ذلك المنشور سريعاً على مختلف المنصات الإلكترونية في العالم.

تحاول الصين في الوقت الراهن أن تثبت، محلياً ودولياً، صوابية مقاربتها في التعامل مع فيروس كورونا الجديد، وتريد بذلك أن تعود إلى الوضع الطبيعي السابق وترمّم سمعتها المتضررة على الساحة الدولية، في حين تزعم أنها بدأت تتعافى محلياً، وتلوم بلدان كثيرة الصين على انتشار العدوى في العالم نظراً إلى طريقة استجابتها الأولية للفيروس، لكن ما من تعاون مشترك بين أطراف المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول المتقدمة، لمعالجة الوباء، بل تتوسع الخلافات بين عدد كبير من البلدان الفردية، وتضع دول متقدمة كثيرة وضعها المحلي على رأس أولوياتها، ولا تستطيع تحمّل كلفة تقديم مساعدات دولية، أما الصين فقد قدمت دعمها لقوى كبرى، نتيجةً لذلك، تلجأ البلدان التي تحتاج إلى المساعدة، على غرار صربيا، إلى بكين في هذه الظروف، بالإضافة إلى الصين، ترسل روسيا أيضاً مساعداتها إلى إيطاليا، لذا يمكن القول إن الأنظمة الاستبدادية هي التي تطبّق سياسة التعاون الدولي بدل بلدان "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".

Ad

في يناير 2019، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي سلوفينيا وأعلن أن الصين و17 بلداً من دول أوروبا الوسطى والشرقية ستعقد قمة بين قادتها في النصف الأول من عام 2020، ثم تقرر عقدها في شهر أبريل، ومن المتوقع أن يتأجل الاجتماع في ظل هذه الظروف، لكن في 13 مارس عقدت الصين مؤتمراً عبر الفيديو حيث قدّم الخبراء توصياتهم للوقاية من العدوى والسيطرة عليها مع تلك البلدان السبعة عشر. طُرِحت حينها التدابير التي اتخذتها الصين ضد فيروس كورونا، وتطرق المؤتمر أيضاً إلى موضوع تعزيز التعاون في مجال الصحة العامة في المرحلة المقبلة.

انطلق إطار العمل هذا بين الصين و17 دولة من دول أوروبا الوسطى والشرقية في وارسو في 2012 وشكّل جزءاً أساسياً من "مبادرة الحزام والطريق"، لكن منذ ذلك الحين، بدأت بلدان مثل بولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا تفقد اهتمامها بتلك المبادرة وابتعدت عن إطار العمل المشترك بين الصين ودول أوروبا الوسطى والشرقية، في حين عمدت بلدان أخرى إلى التقرب من الصين. تدخل المجر في هذه الخانة الثانية، في حين طوّرت مونتينيغرو بنيتها التحتية بدعمٍ مالي من الصين.

تولي دول أوروبا الوسطى والشرقية اهتماماً خاصاً لعلاقاتها مع روسيا والاتحاد الأوروبي في حين تفكر بمسار تطور روابطها مع الصين، فترتبط بولندا مثلاً بعلاقة أمنية متوترة مع روسيا ويقلقها التعاون الأمني بين روسيا والصين، أما المجر فهي تتقرب من الصين بسبب توتر علاقاتها مع بروكسل، لكن لوحظ أن الصين وروسيا تحاولان التقرب من دول أوروبا الوسطى والشرقية غير المنتسبة إلى الاتحاد الأوروبي بأي ثمن، إذ تواجه البلدان التي ترشّحت للانتساب إلى الاتحاد لكنها لم تصبح أعضاءً فيه بعد عدد من التحديات على مستوى بناء الدولة، منها صربيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وألبانيا، حيث ينشغل الاتحاد الأوروبي من جهته بمشاكله الداخلية، على غرار "بريكست"، لذا لم يتمكن من الاهتمام بتلك البلدان بدرجة كافية، وهذا ما سمح للصين وروسيا بتكثيف تدخلّهما، فقد جرى الاجتماع الإداري بين الصين ودول أوروبا الوسطى والشرقية في بكين في أكتوبر 2019 لتحضير أجندة مستقبلية، لكن لم يحصل تقدم بارز في هذا الإطار منذ القمة التي جمعت قادة تلك البلدان في شهر أبريل من السنة نفسها، حيث يعكس غياب التقدم هذا تنامي الحذر الأوروبي تجاه الصين.

لكن يبدو أن وباء كورونا منح فرصاً جديدة للصين ودول أوروبا الوسطى والشرقية، حيث يدعو بعض الصينيين بكين وتلك الدول إلى التعاون لمنع انتشار الأوبئة بموجب إطار عمل مشترك بينها، فهل سيكون تفشي الوباء كفيلاً إذاً بتغيير مشهد التعاون الدولي للسيطرة على الأمراض المعدية؟ إذا كانت البلدان الاستبدادية أكثر إيجابية بشأن الحوكمة العالمية وتقديم الدعم للبلدان النامية، فقد يؤدي وباء "كوفيد-19" دوراً في تغيير النظام العالمي، لذا ثمة حاجة إلى تقييم تداعيات فيروس كورونا الجديد في جميع السياقات المحتملة.

* شين كاواشيما

* «دبلومات»