تقرير محلي: فضح تجار الإقامات سُنة حميدة تركتها «القوى العاملة»
الهيئة نشرت أسماء المئات منهم خلال الأعوام الماضية وغرّمتهم ملايين الدنانير
"هل لكورونا إيجابيات؟"... سؤال قد يراه البعض غريباً، خصوصاً أن إجابته سهلة وحاضرة دون تفكير، لاسيما في خضم السلبيات المحيطة بنا من كل حدب وصوب، والتي خيمت على جميع مناحي الحياة، ونالت من كل ما هو جميل، جراء انتشار الفيروس المستجد، والاجراءات الاحترازية المترتبة على ذلك، غير أنه في خضم هذا الكم الهائل من عدم التفاؤل هناك جانب في غاية الإيجابية ظهر جلياً خلال الأيام الماضية، وهو المطالبة الشعبية الواسعة بمحاكمة تجار الإقامات وتوقيع أقصى العقوبات القانونية عليهم، لما أغرقوا به السوق من مئات الآلاف من العمالة الهامشية والسائبة، والتي كانت سبباً أساسياً في الخلل الذي أصاب التركيبة السكانية في البلاد، فضلاً عن الضغط الذي تسببه هذه العمالة، ومعظمها مخالف لقانون الإقامة، على الدولة في ظل الأزمة الحالية وتكدسها في مساكن غير مؤهلة، ولا تتمتع بقدر كاف من النظافة، مما يشكل حاضنة خطيرة لترعرع الفيروس في مناطق إقامتها.هذه المطالبات الشعبية الواسعة بمحاسبة "تجار البشر" أمانة في عهدة الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الملف الشائك والخطير، وعلى رأسها الهيئة العامة للقوى العاملة، لاسيما في ظل الأزمة الراهنة، حيث يرى مراقبون أن أولى خطوات التحرك الحكومي الجاد لتلبية هذا المطلب الشعبي "فضح" أسماء الشركات المتورطة في هذه الجريمة المقيتة وأصحابها، ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه جلب عمالة من الخارج، نظير دفع أموال، وهو ليس بحاجة إليها، من ثم يعمد إلى عدم تسليمها العمل لديه، ويتركها حرة طليقة في "الشارع" للعمل لدى الغير.وفي مراجعة لتطورات هذا الملف، خلال الاعوام القليلة الماضية، يتضح ان موضوع "تجارة الاقامات" لم يكن غريبا على "القوى العاملة"، التي دأبت على تحريكه خلال الأعوام الماضية، وتحديداً في عهد وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السابقة هند الصبيح، حيث قامت الهيئة بنشر أسماء عدد كبير من الشركات، التي ثبت تورطها في تجارة الإقامات وتوالت عمليات النشر تباعاً حتى بلغت الغرامات الموقعة في عام 2018 قرابة 13 مليون دينار، وطالت 7200 شركة متورطة وأدينت قضائياً.
سُنة حميدة
ويتساءل المراقبون: لماذا تركت "القوى العاملة" هذه السنة الحميدة ولم تستمر في تطبيقها بصورة شبه شهرية ليتسنى للجميع معرفة هذه الشركات التي تتاجر بالبشر وتؤذي سمعة وطن بأكمله نظير مصلحة شخصية ضيقة، دون أدنى مسؤولية أو وازع ديني أو ضمير يحول دون تنفيذ رغبات أصحابها؟!واذا كانت اجراءات 2018 قد عالجت جزءا من ازمة تجارة الاقامات فإن ما اظهرته خطوة الداخلية بشأن تعديل أوضاع مخالفي الاقامة لتمكينهم من مغادرة البلاد، يكشف عمق تلك الأزمة التي تبدو انها مستفحلة، وهو ما عبر عنه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أنس الصالح بإعلانه المواجهة المفتوحة بلا هوادة مع الممارسات الوحشية البشعة لتجار الاقامات"، وكذلك ما اتخذته الحكومة في اجتماعها الاستثنائي، أمس الاول، بتكليف الوزير الصالح تشكيل فريق عمل لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة وتقديم العون والمساندة لاتخاذ كل الإجراءات القانونية الكفيلة بمسألة المتسببين في وجود عمالة وهمية ومحاربة تجار الإقامات، وكذلك الإجراءات والتدابير الوقائية اللازمة لمنع مثل هذه المخالفات. وبين مصالح تجار الاقامات والحزم الحكومي غير المحسوم تجاه هؤلاء يختم المراقبون بالقول إن الكويت منارة عالمية في العمل الخيري والانساني، ويحمل أميرها لقبا انسانيا رفيعا (أمير الانسانية)، فمن غير الجائز وغير المنصف أن تصنف ضمن البلدان التي تنشط فيها ظاهرة الاتجار بالبشر على يد بعض من آثروا حساباتهم الشخصية على المصلحة الوطنية. ووفق هذه المعادلة يطالب المراقبون "القوى العاملة" والجهات الحكومية ذات الصلة بالتوقف مجددا عند موضوع تجار الاقامات والعمالة الوهمية، لا لمجرد تأثيرها السكاني فحسب، بل نتيجة تداعياتها الصحية التي بدأت تتكشف مع أزمة "كورونا" الآخذة في التفشي والعدوى بين العمالة الهامشية والوهمية.
التحركات الحكومية يجب أن تنسجم مع المطالبات الشعبية الواسعة بكشف تجار الإقامات وتوقيع أقصى العقوبات عليهم