الصين وأميركا تفشلان في اجتياز اختبار الجائحة
تفرض جائحة مرض فيروس كورونا 2019 على البشرية أشد اختبار تواجهه خطورة على الإطلاق منذ عام 1918، عندما تسببت جائحة الإنفلونزا في مقتل عدد من البشر أكبر من حصيلة الأرواح التي حصدتها الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك فشل قادة أكبر اقتصادين في العالم، الصين والولايات المتحدة، في أول جولة.كان رد الفِعل الأولي من جانب كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأميركي دونالد ترامب الإنكار، وقد أُهـدِر وقت ثمين كان من الواجب استغلاله في إجراء الاختبارات وتنفيذ تدابير الاحتواء، وبالتالي، تبددت فرص التعاون الدولي.بدلا من ذلك، بعد عمليات إغلاق وطنية باهظة التكلفة، انخرط الزعيمان في معارك دعائية ضد بعضهما بعضا، فألقت وزارة الخارجية الصينية اللوم على المؤسسة العسكرية الأميركية عن ظهور فيروس كورونا في ووهان، وأطلق ترامب على الفيروس وصف "الفيروس الصيني"، غير أن مرض فيروس كورونا 2019 لا يبالي بجنسية البشر الذين يقتلهم، ولن تنجح أي استجابة عالمية دون قدر معقول من التعاون بين الولايات المتحدة والصين.
كانت العلاقة الثنائية بين البلدين في تدهور سريع بالفعل عندما اندلعت جائحة الفيروس، وركزت استراتيجية ترامب للأمن الوطني لعام 2017 على منافسة القوى العظمى مع الصين، يتفق العديد من الأميركيين من كلا الحزبين السياسيين الرئيسين على أن ترامب كان مصيبا عندما قرر معاقبة الصين على سرقة الملكية الفكرية سيبرانيا، ونقل الملكية الفكرية قسرا، والممارسات التجارية غير العادلة مثل توفير الائتمان المدعوم للشركات المملوكة للدولة.هنا يصبح من الضروري تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، فإذا كان بوسع الصين أن تحظر غوغل وفيسبوك في سوقها لأسباب أمنية، فيمكن للولايات المتحدة أن تتخذ خطوات مماثلة ضد شركة هواوي أو شركة ZTE، وتتفاقم مشاعر الغضب وانعدام الثقة في عاصمتي البلدين.لكن ما تُـعَلِمنا إياه أزمة مرض فيروس كورونا 2019 هو أن النهج التنافسي في التعامل مع الأمن الوطني لا يكفي، وجائحة فيروس كورونا ليست المثال الوحيد، إذ تعمل ثورة المعلومات والعولمة على تغيير السياسة العالمية على نحو دراماتيكي.في حين تسببت الحروب التجارية في تعويق العولمة الاقتصادية، فإن العولمة البيئية، المنعكسة في الأوبئة وتغير المناخ، لا تحترم إلا قوانين علم الأحياء وعلم الفيزياء، وليس السياسة. وفي عالم حيث أصبحت الحدود أكثر نفاذية لكل شيء من المخدرات والتدفقات المالية غير المشروعة إلى الأمراض المعدية والإرهاب السيبراني، يصبح لزاما على الدول أن تستخدم قوة جاذبيتها الناعمة لتطوير الشبكات والمؤسسات القادرة على التصدي للتهديدات الجديدة.كما يشير الخبير التكنولوجي ريتشارد دانزيغ، فإن "مسببات الأمراض، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وفيروسات الكمبيوتر، والإشعاع الذي قد يطلقه آخرون عن طريق الخطأ، كل هذا من الممكن أن يصبح مشكلتنا بقدر ما هو مشكلتهم، ولابد من السعي إلى إنشاء أنظمة إبلاغ متفق عليها، وضوابط مشتركة، وخطط طوارئ مشتركة، ووضع قواعد ثابتة، وإبرام معاهدات، كوسيلة لإدارة المخاطر المشتركة المتعددة التي تواجهنا". ولن تتمكن الرسوم الجمركية ولا الجدران الحدودية من حل هذه المشكلات.في التعامل مع القضايا العابرة للحدود الوطنية مثل جائحة مرض فيروس كورونا 2019 وتغير المناخ، تصبح القوة مباراة محصلتها إيجابية، فلا يكفي التفكير في استخدام القوة ضد الآخرين؛ بل يتعين علينا أن نفكر في استخدام القوة مع الآخرين. وفي العديد من القضايا العابرة للحدود الوطنية، يساعد تمكين الآخرين أي دولة على تحقيق أهدافها الخاصة، على سبيل المثال، من الممكن أن يستفيد الجميع إذا قام آخرون بتحسين كفاءة استخدامهم الطاقة، أو تحسين أنظمة الصحة العامة لديهم.يتحمل كل القادة المسؤولية عن وضع مصالح بلدانهم أولا، لكن السؤال الأخلاقي المهم يدور حول مدى ضيق أو اتساع اختيارهم لتعريف هذه المصالح. الواقع أن كلا من الصين والولايات المتحدة تستجيب لجائحة مرض فيروس كورونا 2019 مع ميل نحو أساليب قصيرة الأمد، وتنافسية، ومحصلتها النهائية صِفر، إلى جانب أقل القليل من الاهتمام بالمؤسسات الدولية والتعاون الدولي، كما أوضح في كتابي الجديد "هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟"، فسر ترامب شعار "أميركا أولا" على نحو ضيق للغاية، فانسحب من المصلحة الذاتية المستنيرة الأبعد أمدا التي اتسم بها النهج الذي سلكته الولايات المتحدة بعد عام 1945 والذي صممه الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت، وهاري ترومان، ودوايت أيزنهاور. لكن التعاون ممكن بين المتنافسين على الصعيدين الجيوسياسي والإيديولوجي، على سبيل المثال، خلال الحرب الباردة، دعمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي برنامج الأمم المتحدة الذي قضى على مرض الجدري، وبعد وباء سارس في الفترة 2002-2003، أسست الولايات المتحدة والصين شبكة من العلاقات التعاونية بين السلطات الصحية الوطنية، وتعاونتا معا لمكافحة فاشية فيروس أيبولا في عام 2014 في غرب إفريقيا.قد تأتي هجمات فيروسية جديدة في هيئة موجات، كانت الموجة الثانية من جائحة الإنفلونزا قبل قرن من الزمن أشد فتكا من الأولى، ونحن لا نعرف الكثير عن فيروس كورونا المستجد، وربما تحدث زيادات موسمية بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، وعندما يحظى الشمال العالمي بفترة راحة، ربما ينتقل الفيروس (أو طفرة منه) إلى الجنوب، ثم يعود إلى الانتشار شمالا مع تغير الطقس. في كل الأحوال يتعين علينا أن نكون مستعدين لمعركة ربما تدوم لسنوات عديدة، وهو ما يستلزم تبادل المعلومات، وتطوير وإنتاج العلاجات واللقاحات، وتصنيع وتوزيع الإمدادات والمعدات الطبية.سوف تستمر أزمة فيروس كورونا الحالية في اختبار قادة الولايات المتحدة والصين، ولضمان اجتياز هذا الاختبار، ينبغي للجانبين أن يحرصا على تهدئة الحروب الدعائية التي تنثر بذور انعدام الثقة وتثبط التعاون، وأن يعرضا بوضوح أهمية استخدام القوة "مع" الآخرين لا "ضد" الآخرين، وينبغي لهما أن يخططا لاستقبال موجات جديدة في المستقبل من فيروس كورونا، وأن يعملا على إنشاء أطر ثنائية ومتعددة الأطراف لتعزيز أواصر التعاون، كما ينبغي للجانبين أن يدركا أن مساعدة البلدان النامية في التغلب على مرض فيروس كورونا 2019 تصب في مصلحة الجميع، لأن بقاء أي جيوب فيروسية في أي مكان من شأنه أن يعرض الناس في كل مكان للخطر.لأسباب تتعلق بالمصلحة الذاتية والإنسانية على حد سواء، يجب أن تعلن الولايات المتحدة والصين مساهمات سخية لإنشاء صندوق كبير جديد تابع للأمم المتحدة لمكافحة فيروس كورونا على أن يكون مفتوحا لكل البلدان، وينبغي للجانبين أن يشتركا في قيادة مجموعة العشرين في تمويل هذا الصندوق.أخيراً، بالنظر إلى مقدار ما لا يعرفه البشر عن هذا الفيروس الجديد وحجم ما يجب أن يتعلموه من بعضهم، يتعين على الولايات المتحدة والصين أن تعملا على استعادة الشبكة الغنية من الاتصالات بين العلماء والمهنيين الطبيين التي كانت موجودة قبل عشر سنوات، ومن الحكمة أيضا تشكيل لجنة ثنائية رفيعة المستوى بين البلدين للتعامل مع مرض فيروس كورونا 2019، برئاسة نائب الرئيس مايك بِنس ورئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، لتوفير الغطاء السياسي وتجاوز الروتين البيروقراطي.أفسد قادة الصين وأميركا الجولة الأولى من اختبار فيروس كورونا 2019، لكن لم يفت الأوان بعد لكي يتعلموا كيف يحسنون أداءهم.* جوزيف س. ناي الابن* أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين ديلانو روزفلت إلى ترامب".«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»