على وقع توافُق نادر بين مختلف الأطراف السياسية، كلّف رئيس العراق، برهم صالح، داخل قصر السلام بمنطقة الجادرية وسط بغداد، مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيل الحكومة، وذلك بحضور عدد من القيادات، بينهم رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.وفور تقديم محافظ النجف السابق عدنان الزرفي الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة، "حفاظاً على وحدة العراق ومصالحه العليا"، أسند صالح هذه المهمة المتعثّرة منذ 6 أشهر للكاظمي، المعروف بقربه من الأميركيين، قبل أن يعيد ترتيب علاقاته في الأسابيع الأخيرة مع طهران، العدو اللدود لهم، على أن ينال ثقة البرلمان في مدة أقصاها 30 يوماً من الآن.
ومنذ استقالة حكومة عادل عبدالمهدي في ديسمبر الماضي، يعيش العراق ركوداً سياسياً، أولاً في مواجهة حراك شعبي انطلق أول أكتوبر، وثانياً لتضرر ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك من انهيار أسعار الخام، بتأثير تفشي وباء كورونا، وتسبّبه بوفاة نحو 70 عراقياً حتى الآن.وبالتالي، أصبح الكاظمي المحاولة الثالثة لاستبدال عبدالمهدي منذ بداية 2020، بعد اعتذار الزرفي، وقبله محمد توفيق علاوي، لتعذّر إيجاد توافق سياسي في البرلمان الأكثر انقساماً في تاريخ العراق.
وسيط متمرس
وتسلّم الكاظمي، الذي لم ينضمّ إلى أي من الأحزاب السياسية، رئاسة المخابرات في يونيو 2016، بعد أن حاز مكانة مرموقة كوسيط سياسي متمرس بين الأطراف العراقية المختلفة، وسط الأزمات المتلاحقة.ولدى الكاظمي، المولود في بغداد عام 1967 وحصل على بكالوريوس الحقوق من جامعة التراث، أكثر من 15 عاماً من الخدمة، مع التركيز على حل النزاعات. وكان مسؤولاً عن إصلاح جهاز المخابرات، وأشرف على إخراج السياسة من عمله، وتطبيق أحدث أساليب التحليل وتوسيع نشاطه ليشمل مكافحة الإرهاب بالداخل والخارج.وعمل الكاظمي، الذي عارض بشدّة نظام صدام حسين وعاش سنوات في المنفى، كاتب عمود ومديراً لتحرير قسم العراق بوكالة "المونيتور" في واشنطن، وركزت مقالاته على تكريس روح السّلم الاجتماعي في العراق، والتأسيس لحفظ المستقبل ومكانته التاريخية، وكشف إخفاقات وارتباكات صاحبت تجربة النظام السياسي وسبل معالجتها.انسحاب الزرفي
وفي رسالة مطولة، كشف عدنان الزرفي عن أسباب انسحابه من تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن مهمة التكليف لم تنجح لأسباب "داخلية وخارجية".وعبّر الزرفي عن أسفه لما آل إليه الوضع، وسط الدعم من أبناء الشعب، واعتذر لكل من وضع ثقته به، مؤكدا حرصه منذ تكليفه على المضي قدماً في تنفيذ المهمة المناطة به بمسؤولية عالية، واضعاً هدفاً أساسياً مقدساً هو إنقاذ العراق وعودة مساره الصحيح، بلداً مستقراً ومؤثراً في محيطه العربي والعالمي.وقال الزرفي، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (واع)، "خلال الأسابيع الماضية، تم تأسيس بداية حقيقية لسياسة العراق مبنية على الشراكات الاقتصادية المنتجة والمثمرة مع دول العالم، وتنظيم عمل قوات التحالف الدولي وجدولة انسحابها وبناء قدرات القوات المسلحة".وأوضح أن منهاجه الحكومي يعمل على تقديم رؤية إنقاذ اقتصادية ترفع معاناة الشعب، وتقضي على الفساد وتفتح آفاق العزلة الدولية، وتحمي الاقتصاد الوطني من عقوبات دولية وتحاسب قتلة المتظاهرين والمجرمين، مشدداً على أن "الاعتذار عن عدم الاستمرار بالتكليف مردّه الحفاظ على وحدة العراق ومصالحه العليا".وأشار إلى أن "عدم نجاح تجربة التكليف لأسباب داخلية وخارجية لن يمنعه من المضيّ في خدمة الشعب عبر موقعه النيابي الحالي"، مؤكداً مواصلته العمل والاستعداد للانتخابات المقبلة المبكرة لاستكمال المشروع الوطني وتطوير أسسه الاقتصادية لإعادة إعمار العراق أسوة بدول العالم المتقدمة.وختم كلمته بأن "الشعب العراقي يستحق أن يتنعم بخيرات بلده ويعيش بحرية ورفاهية"، متمنيا "التوفيق والسداد للرئيس المكلف بعده بتشكيل الحكومة المرتقبة، وسط تزايد الأزمات والتحديات".توافق نادر
وفي وقت سابق، أعلن "تحالف القوى"، أكبر كتلة سُنيّة في البرلمان، تأييده النادر لتوجّه غالبية القوى الشيعية لتكليف الكاظمي.وأوضح في بيان، أمس الأول، أنه "يضع في اهتماماته أن يحظى المرشح لرئاسة الوزراء، الذي من شأنه التصويت لمصلحة حكومته في مجلس النواب، بقبول وتأييد من قوى المكونات السياسية المسؤولة عن الترشيح، وأن يتمتع بالقبول على المستوى الوطني".كما أعلن رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني دعمه تكليف الكاظمي، وقال في بيان، أمس، "إننا نرحب بترشيحه لمنصب رئيس الحكومة الاتحادية، من قبل القوى السياسية للمكون الشيعي، وندعو الجميع إلى دعمه للانتهاء من مهام تكليفه وتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن".العلاقات الأميركية
من جهة أخرى، عرض رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبدالمهدي، أمس الأول، على مجلس الأمن الوطني مذكرة رسمية من الإدارة الأميركية تتعلق بقرار بناء علاقات استراتيجية، وإعادة انتشار لقواتها وإجراء حوار، موضحا أن "عمليات الانسحاب الواسع للقوات الأجنبية تمت بمراسيم رسمية وتحت ظل القانون والنظام".واعتبر رئيس الوزراء المستقيل المذكرة "تطوراً مهماً في العلاقات الأميركية واستقرار المنطقة"، مشدداً على أن محور هذه العلاقة يجب أن يتم بشكل ودي، وليس عدائيا، لحفظ المصالح المشتركة.وقال عبدالمهدي: "قررنا عقد هذا الاجتماع لمناقشة محور واحد هو ملف العلاقات الأميركية، ومستقبل التعاون الاقتصادي والأمني، ولبحث الوجود العسكري بعد ظروف صعبة مرّت وسقوط شهداء وخسائر، وقرار مجلس النواب، وفي ظل حرصنا على المشاركة فيه والحرص على وحدة الصف الوطني والتوصل إلى اتفاقات تخدم المصلحة الوطنية العليا".