هل لدينا بناؤون وصباغون وحدادون وفنيو أجهزة ومعدات وسيارات تقوم مقام العمالة الوافدة إذا تم ترحيلها؟ وهل البديل إن وجد سيكون أفضل وأرخص من العمالة الحالية؟ الهوجة التي برزت مع شد أعصاب كورونا أخذتنا بعيداً عن التفكير العملي، وصار هناك خلط كبير بين كثير من الدوافع، ولم نجب عن الأسئلة البدائية قبل أن نقرر إرسال أو بقاء هذه العمالة عندنا، وأنا على يقين أن وراء الحملة أغراضاً سياسية، ظهرت بوادرها منذ مدة، هدفها دق إسفين بين الكويت ومصر، وخلق مشكلة تترك الكويت رهينة كما فعلت مع دولة خليجية أخرى، وجاءت بعض التصرفات لبعض أفراد من الجالية المصرية ليتخذها المخططون وسيلة لإشعال الفتنة، وليتلقفها البعض دون وعي ولا دراية فأساؤوا، وردت بعض الأبواق في الجانب الآخر لتنتفخ أوداج من يرون حقنا في الإساءة واستنكار رفض هذه الإساءة.
الظلم ظلمات ومشكلة العمالة الوافدة لم تخلقها هي، وهنا أود التركيز على العمالة التي سميت "السائبة"، فهؤلاء العمال، وكثير منهم يفتقرون للمهارة حين وصلوا إلى الكويت، لم يقفزوا من الجو ليسقطوا علينا من السماء، ولكنهم أتوا بكفالة كويتي أو حامل للجنسية الكويتية لا يرحم، وليس عنده ذرة من ضمير. هؤلاء الناس البسطاء دفعوا كل ما يملكون واقترضوا من أقاربهم وأصحابهم ليدفعوا لسمسار في بلدهم وعدهم بعقد عمل، واستخراج جواز، ثم تأشيرة، وربما أخبرهم أن عليهم أن يدفعوا للكفيل عندما يصلون للكويت، ولم يقل لهم أحد إن عليهم أن يدفعوا للكفيل كل عام عند تجديد الكفالة، وحين وصلوا إلى الجنة الموعودة وجدوا أنهم قد خدعوا، وأن عليهم أن يكدوا ويكدحوا ليدفعوا ثمن معيشتهم وتنقلهم وسكنهم، ويدفعوا في نهاية العام كل ما ادخروا للكفيل، وليت الكفيل عمل شيئا مقابل هذا، فهو لم يوفر سكنا ولا علاجا ولا غذاء وقبل هذا لم يوفر عملا أصلا.هذا الكفيل قد يكون حصل على منحة من مسؤول أكرمه بعشرات التصاريح لاستقدام عمالة لمزرعة منحت له أيضا أو باستخراج ترخيص لعمل يتطلب عمالة، وبالغ في الأرقام، وبالواسطة حصل على الموافقات، واتصل بالسمسار هناك، واتفقوا وجاء العمال الحالمون بتحسين أوضاع معيشة عائلاتهم ليجدوا أنهم قد ورطوا أنفسهم وزادوا أعباء عائلاتهم، فالكفيل لا يرحم، وهو ينتظر تاريخ انتهاء الإقامة لتحصيل دم وعرق المسكين.العمالة السائبة أو المخالفة للإقامة هي العمالة التي لم تعد تستطيع دفع ثمن تجديد الإقامة، فأصبحت إقامتهم غير قانونية، والمساكين يسعون إلى تكوين شيء يعودون به لأهاليهم حتى لو خالفوا النظام.الحملة المحمومة ضد هؤلاء المساكين لم يفكر أصحابها أن الظلم ظلمات، وأن قهر المسكين ليس من خصال الإنسان الصالح، وكان الأجدر بنا وبكل منظمات حقوق الإنسان أن تبحث عن وسيلة لمعالجة هذا الظلم، وحماية هذه العمالة من تعسف وقهر الكفيل.المطالبة بترحيل هؤلاء العمال في هذا الوقت وبدون إنصاف جريمة لا تغتفر، فهؤلاء خدموا الكويت وشاركوا في بناء بيوتنا ومكاتبنا وشوارعنا وكل المشروعات القائمة عندنا، ويجب ألا نتهاون في العمالة غير الماهرة، فالأعمال البسيطة من نقل وحفر وردم لا يقوم بها إلا هؤلاء، وليس لهم بديل على المدى المنظور.أثير موضوع ظلم الكفيل أكثر من مرة، ولكن لم تصل الحكومة إلى حل ينهي دور هذا الكفيل، وأعتقد أن بلد الإنسانية يمكن أن يكون كذلك لو وفر العدل لهؤلاء العمال، وإذا كان لا بد أن يغادروا وليس لديكم بديل أفضل فامنحوهم إقامة لخمس سنوات تجدد سنويا ما لم يكن للعامل أي مخالفة جسيمة، ويتم التجديد دون الرجوع للكفيل، وفي نهاية المدة تقرر الحكومة إذا ما كان عندها البديل المناسب باستبدال هذه العمالة من مصر أو من غيرها من الدول أو تقرر عدم الحاجة لأحد... لا تتركوا أحداً يترك بلدنا وفي قلبه غصة.
مقالات
الظلم ظلمات
12-04-2020