العالم قبل كورونا ليس تماما مثل ما بعده... فهمنا! هناك تغيرات قادمة في النظام العالمي القائم، وهذا أمر مفروغ منه، والأسئلة تتوالى، والخبراء يقلبون الصفحة ويخلعون بدلاتهم السابقة استعداداً لما هو قادم.

يستدلون بآرائهم على ما أصاب "الاتحاد الأوروبي" من وهن، حيث لم يستطع التحرك بشكل جماعي وناخ تحت عبء الوباء، بل سمعنا أصواتاً ترفع شعار "كل واحد يا رب حالو"!

Ad

قد تكون الصحوة الجديدة تغيير البوصلة والاستدارة بعد الفشل الذي عرّاها بمواجهة الوباء، بالالتفات إلى صحة الإنسان، والحفاظ على بيئة نظيفة وخالية من التلوث وبما يخدم استدامة الإعمار بمعايير صحية جديدة.

من حسنات كورونا أنه قد يصحح بعض مسارات "القوى العظمى" ويدفعها إلى تسخير إمكاناتها العلمية وقدراتها التكنولوجية من أجل "الأمان الصحي والاجتماعي" بدلاً من "عسكرة المصانع والعقول" واستنزافها بتسويق الصواريخ والدبابات.

وظائف جديدة أملتها "ضائقة كورونا" على الدول المصدرة والمصنعة للسلاح، وربما كانت التجربة الكوبية جديرة بتغيير اتجاه البوصلة، فهذا البلد الرازح تحت عقوبات أميركية جائرة منذ نحو ستين عاماً استطاع أن يتحول إلى دولة مصدرة للأطباء، ففرقه اليومية تشبه فرق الصاعقة وقت الأزمات تهبط في عواصم العالم المنكوبة لتقديم خبراتها وكفاءاتها في مجال مكافحة الأوبئة وغيرها من التخصصات، بدلاً من شحن الصواريخ والمدافع إلى جبهات الحرب والدمار!

التغيير سيفرض نفسه وستجد هذه الدول "العملاقة" التي نهضت وتوسعت على قاعدة تصنيع السلاح وفرضت هيمنتها في الخارج "بوجه استعماري قبيح" قائم على الدبابة والبارجة والصاروخ، أنها لم تعد تقود العالم كما ترغب وتشتهي وتخطط!

الانكفاء إلى الداخل قد يكون على رأس الأولويات "للدولة العابرة للقارات"، لأن المستجدات التي فرضها "كورونا" لم تكن ضمن الأجندات السابقة، باتت اليوم من الضرورات، ومن الصعب على متخذي القرار أن يتجاهلوها.

بالرغم من أن الدرس كان قاسياً لكن الخشية من الكبار في عالم السلاح والمال ما زالت قائمة، بعدما خضعوا للتجربة، وظهرت نتائجها مباشرة دون أن تمر "بمجالس منتخبة" أو "بهيئات تشريعية" بل بانت سريعاً على الأرض وأمام الرأي العام، حيث سجلت المؤشرات هزالة وضعفا بل فشلا لعدد لا بأس به من القيادات الدولية التي احتلت المقاعد الأولى، لذلك ستكون هي أو من سيأتي بدلاً منها مجبرة على توظيف إمكانات بلادها العلمية والتكنولوجية في خدمة "المواطن الإنسان" بالدرجة الأولى.

الاستعداد للمستقبل أصبح الشغل الشاغل للباحثين والعلماء، وهؤلاء سيكون صوتهم مسموعاً وموثوقاً به، بعكس بعض السياسيين الذين باتوا في حالة الدفاع عن النفس وعن أصواتهم المشوهة والفاقدة للمصداقية!

النقاش وسط الزحمة وفي عز الأزمة المترافقة مع حفر القبور يصيب المرء بالدوران، وسيبقى في حالة صعود وغليان، إلى أن ينحسر الوباء، ويهيئ الأرضية لجردة الحساب، وحجم الخسائر الناتجة عن الكارثة التي دوخت ساكني الكرة الأرضية!

مبكراً رسم "الحدود" الجديدة ومعرفة الفواصل والطرق التي ستسلكها، وأين تنتهي، لكل ما يحصل، أشبه ما يكون بالفوران الشديد في باطن الأرض قبل انفجار البركان! فلننتظر كي نرى.