استراتيجية عالمية للخروج من أزمة «كوفيد-19»

نشر في 12-04-2020
آخر تحديث 12-04-2020 | 00:00
يشكل وباء كوفيد-19 تهديداً غير مسبوق على الصحة العامة والاقتصاد العالمي، ولن تتمكن الحكومات من حماية شعوبها التي تدعي تمثيلها إلا بنبذ القومية المتعصبة المتمثلة في لغة خطابها وسياساتها، وتبني شكل أقوى من التعاون الدولي.
 بروجيكت سنديكيت قد يتحول العالم الخارج من وباء فيروس كورونا إلى مجموعة متحاربة من الدول التي صارت أكثر انغلاقا وميلا للنزعة القومية من ذي قبل، وبدون تعاون سريع وفعال، قد لا يخرج العالم من هذه الأزمة بسلام على الإطلاق.

لو تأملنا فيما يجري في الوقت الحالي على الأقل لأبصرنا هيمنة ردود الفعل المتسمة بالقومية المفرطة، فبالإضافة إلى حظر التجول والإغلاق وحوادث الاستيلاء والمصادرة، تقوم الحكومات بإغلاق الحدود واستخدام خطاب الحرب لحشد شعوبها، كما تعطلت سلاسل الإمداد والتجارة العالمية ليس بسبب الإغلاقات فقط، بل لتصارع الدول الغنية على الإمدادات أيضا.

لكن قريبا سيتحتم على الحكومات إعادة تشغيل الاقتصاد العالمي، مما سيتطلب تعاونا دوليا في مناح رئيسة عدة:

ويتمثل أول عنصر حيوي في أي استراتيجية للخروج من أزمة كوفيد-19 في حملة فحوص ضخمة كي يستطيع الأصحاء العودة إلى العمل، ويحصل من إصابتهم العدوى على العلاج المناسب. ولتحقيق ذلك، ستحتاج الدول إلى إمدادات كافية من أدوات الفحص والاختبار ومعدات الوقاية، إضافة إلى توفير أجهزة مساعدة التنفس وإتاحة علاجات الطوارئ.

ويعتبر التعاون الدولي أمرا ضروريا للتمكين من توفير الفحص والعلاج الشاملين، فمثلا تعد شركة كوبان، الواقعة شمالي إيطاليا، مورّدا رئيسا للمسحات المستخدمة في جمع العينات الأنفية البلعومية. وتعد كياجن، وهي شركة ألمانية ذات سلسلة إمدادات عالمية متشعبة، المنتج الرئيس للمواد الكاشفة المستخدمة في استخلاص الحمض النووي للفيروس من الخلايا المجمعة، كما تصنع الشركات الأجنبية نصف أجهزة مساعدة التنفس الموجودة في الولايات المتحدة تقريبا، التي يأتي ثلثها من أوروبا.

وفي حين انشغل حكام الولايات في أميركا بالمزايدة ضد بعضهم بسبب مشكلة نقص أجهزة مساعدة التنفس، أقدمت بعض الحكومات الأوروبية على حظر تصديرها، كذلك صرح أحد وزراء الحكومة البريطانية بأن عجز الدولة عن تأمين المواد الكاشفة اللازمة يبطئ عملية الفحص.

الحل هنا يكمن في زيادة التعاون في الإنتاج والتوزيع، باستخدام سلاسل الإمداد العالمية بأكثر الوسائل والصور الفعالة الممكنة، وتجميع ومشاركة الموارد والمعدات حتى يمكن تخصيصها، نظرا لتنقل الحاجة من دولة إلى أخرى، فالصين الآن مثلا تتبرع بأجهزة مساعدة التنفس للولايات المتحدة وتصدر الكمامات.

يتمثل المكون الثاني لأي استراتيجية خروج في مراقبة الأمراض ومكافحتها بشكل فعال ومؤثر، نعلم حقا أن دولا كثيرة تعارض تلك النوعية من المراقبة عبر الإنترنت المستخدمة في الصين وكوريا الجنوبية، لكن نظرا للوقت الهائل الذي يتطلبه التعقب المادي التقليدي لمخالطي المرضى، يصعب تصور أي استراتيجية للخروج لا تشتمل على تطبيقات لهذا الغرض.

بالفعل تشير دراسة جديدة لباحثين في جامعة أكسفورد إلى أن تطبيقات التعقب قد تكون مؤثرة في تقليل معدلات العدوى، حتى عندما يطبقها 60% فقط من السكان، لذا ينبغي للمجتمعات الغربية التعلم من نجاحات الصين وكوريا الجنوبية، والموازنة بين مخاوف تعزيز كفاءة حكوماتها على المراقبة والضرر الذي قد يعانيه الناس حال بقائهم محاصرين بالإغلاق.

على الدول المترددة الإسراع بالتعاون فيما بينها وتبني أدوات المراقبة الضرورية لحماية الحقوق المدنية، وسيستلزم ذلك رقابة شفافة وأسسا واضحة للعدالة، وحماية فائقة للبيانات، وعمليات مراجعة وتدقيق للخوارزميات المستخدمة.

ثالثا، كي يكتمل عنصر الأمان، تحتاج أي استراتيجية عالمية للخروج من أزمة كوفيد-19 إلى أن تكون مصحوبة بلقاح فعال، ولحسن الحظ يسهم التعاون العلمي الدولي في تسريع وتيرة التقدم نحو تطوير مثل هذا اللقاح، حيث نجد باحثين من الصين والولايات المتحدة وأوروبا ينشرون نتائج أبحاثهم الخاصة بتسلسلات الفيروس الجينية، فيما يتعاون أطباء من جامعة هارفارد ومستشفى سيغينغ في مدينة شيآن الصينية ومن شمال إيطاليا للتوصل إلى علاجات للفيروس، كما يعلن أبرز علماء الفيروسات نتائج أبحاثهم عبر المؤتمرات الصحافية الهاتفية لمنظمة الصحة العالمية ويضعونها على خوادم إلكترونية لحفظ السجلات مثل medRxiv، وbioRxiv.

كما سيكون التعاون الدولي مطلوبا لضمان نشر اللقاح عالميا، فقد أعلنت السلطات الصينية مؤخرا اكتشاف حالات جديدة مصابة بفيروس كوفيد-19 "مستوردة" من دول أخرى، في حين يتوقع بعض الخبراء في أوروبا وأميركا الشمالية بالفعل موجة ثانية من تفشي الفيروس.

دروس التاريخ هنا خير معلم، فرغم نجاح التطعيمات في تمكين معظم الدول الغنية من القضاء على الجدري من جانبها بحلول أواخر أربعينيات القرن الماضي، تواصلت عودة المرض من الخارج عبر حدود تلك الدول، لذا تطلب الأمر جهدا عالميا من جانب منظمة الصحة العالمية لاستئصال الجدري عالميا بحلول عام 1978.

هناك أيضا حاجة لنظام إنذار مبكر لتتبع ظهور فيروسات جديدة أو متحورة، فكما ظهر من حال كوريا الجنوبية، يفيد وجود نظام إنذار مبكر ضد كوفيد-19 في تمكين أي حكومة من الاستجابة بسرعة من خلال تكثيف الفحص وإدراج جميع السكان في عملية تقصي المخالطين للمرضى واحتوائهم، مما يقلل على الأرجح التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لأي وباء.

غير أن نظم الإنذار المبكر تستلزم من الحكومات إبلاغ العالم بأمر أي عدوى جديدة بمجرد اكتشافها، وهو ما يمكن أن يشكل قضية حساسة، لذا تحتاج الدول إلى تطمينات بأن الإبلاغ عن تفشي الأمراض لن يعرضها لعقاب فوري في شكل قيود غير ضرورية على السفر والتجارة، وبأن أي إجراءات من هذا القبيل سيتم طرحها للمناقشة بشكل تعاوني جماعي.

يفترض أن يكون العالم تعلم هذا الدرس خلال وباءي سارس وإيبولا اللذين تفشيا في العقدين الماضيين، فقد تسببت قيود السفر والتجارة المفروضة من قبل 40 دولة في إعاقة الإبلاغ عن تفشي إيبولا في مناطق كثيرة، مما أخر رد الفعل العالمي، كذلك ربما كان لتجربة الصين مع وباء سارس أثر في جعل قادتها أقل ميلا لإخطار العالم الخارجي بشأن تفشي كوفيد-19، وبمجرد أن أعلنوه أغلقت الدول حدودها بطرق تتناقض مع توجيهات منظمة الصحة العالمية، ومن ثم سيجب على الحكومات بعد انتهاء تلك الأزمة العمل على تعزيز نظام الإنذار المبكر على أساس تعاوني يتبنى مبدأ يوم لك ويوم عليك.

أخيرا، كلما زادت سرعة وفعالية تحركنا لاحتواء انتشار الفيروس في أفقر دول العالم وأشدها كثافة سكانية، استطعنا حماية الجميع بصورة أفضل، وهذا يتطلب استثمارات عاجلة في مجال الوقاية، وهو أمر يعتمد أيضا على التعاون، بما في ذلك التعاون عبر المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والتمويل الطارئ المقدم من صندق النقد الدولي (الذي طلبته أكثر من 90 دولة حتى الآن)، والدعم الصحي الطارئ المقدم من البنك الدولي.

يشكل وباء كوفيد-19 تهديدا غير مسبوق على كل من الصحة العامة والاقتصاد العالمي، ولن تتمكن الحكومات من حماية شعوبها التي تدعي تمثيلها إلا بنبذ القومية المتعصبة المتمثلة في لغة خطابها وسياساتها، وتبني شكل أقوى من التعاون الدولي.

* نايري وودز؛ ورجائي باتنيجي

* نايري وودز عميدة كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية، جامعة أكسفورد، ورجائي باتنيجي الشريك المؤسس لشركة كوليكتيف هيلث (الصحة الجماعية).

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

التعاون الدولي يعدّ أمراً ضرورياً للتمكين من توفير الفحص والعلاج الشاملين
back to top