رياح وأوتاد: لماذا لا تجيب الحكومة عن أسئلة الدين العام ولا يقر المجلس الإصلاحات المطلوبة؟
منذ أن تقدمت الحكومة بمشروع قانون الدين العام والساحة المحلية مليئة بالأسئلة والردود والآراء المتناقضة، والغريب أن الحكومة وهي التي قدمت المشروع لم تجب عن أي من هذه الاستفسارات رغم أنها تملك كل المعلومات والأرقام، ولم تفند الآراء المخالفة، ولم تقنع الشعب بصحة وضرورة مشروعها، مما أوقع الناس في بلبلة وحيرة.بعض الأعضاء ذكروا أن ما تحتفظ به بعض الهيئات المستقلة وبعض الوزارات من أموال سائلة وكذلك إيداعات البنك المركزي في البنوك المحلية كافية لسد العجز ودفع الرواتب، فهل هذا صحيح؟ وما حجم هذه المبالغ؟ وما تأثير سحب الودائع الحكومية على البنوك؟بعض الأعضاء ذكروا أن ديون الوزارات على بعض الجهات كافية لسد العجز، فهل هذا صحيح؟ وهل هي متوافرة الآن؟ وبعض الأعضاء يجزمون أن وقف الهدر كفيل بسداد العجز وتوفير الرواتب، فهل هذا صحيح وكافٍ؟ وبعض الأعضاء قالوا إن احتياطي الأجيال القادمة الذي يعبر عن المركز المالي للدولة ممتاز ويقدر بمليارات الدولارات فلا داعي للاقتراض، فهل وجود مركز مالي ممتاز يعني عدم وجود عجز في الميزانية؟ وما الفرق بين الاثنين؟ كما نبه بعض الأعضاء وكثير من الناس إلى أن المال المقترض قد يخصص لتعويض بعض التجار أو للإنفاق على حزم مالية لدعم جوانب اقتصادية غير مجدية.
كانت هذه أهم الأسئلة والاعتراضات التي تدور في المجلس وخارجه الآن.وعلى العكس من هذه الاعتراضات ذكر بعض المؤيدين للاقتراض أن الحسابات الختامية للميزانيات الخمس الأخيرة المنشورة شهدت عجزاً بمليارات الدنانير تم أخذها من الاحتياطي العام، وكذلك تمت تغطية عجز التأمينات وخسارة الخطوط الكويتية، وبعض الهيئات الملحقة ونفقات التسليح من الاحتياطي العام، مما أدى إلى انخفاضه في هذه الفترة من 44 مليار دينار إلى 3 مليارات، وهو لا يكفي لسداد العجز.كما ذكّر بعض المؤيدين للاقتراض أن الدولة ما زالت مدينة بمبلغ خمسة مليارت دينار متبقية لم تسدد من قانون الدين السابق، وهي ليس لها غطاء قانوني الآن بسبب انتهاء فترة ذلك القانون، وأكد بعض الاقتصاديين المعروفين أنه بسبب وباء كورونا وحرب المنتجين انخفض سعر النفط إلى نحو 20 دولاراً للبرميل، مما أدى إلى انخفاض الدخل المتوقع للبلاد إلى 8 مليارات دينار فقط، وأن العجز قد يصل في الميزانية القادمة إلى 14 ملياراً. وحذر كثير من الاقتصاديين من خطورة تسييل الاستثمارات الخارجية (صندوق الأجيال أو الصندوق السيادي) في هذه الفترة، وذلك بسبب انخفاض قيمة الأصول، وأوصوا بضرورة التفريق بين المركز المالي للدولة وعجز الميزانية السنوية، وقالوا إن الاقتراض أقل كلفة على الدولة بسبب انخفاض الفائدة، في حين أن تسييل هذه الاحتياطيات سيؤدي في النهاية إلى ضعف المركز الائتماني للدولة ونفاد هذه الاحتياطيات بعد فترة مما يهدد مستقبل الأبناء.وأشار بعض المراقبين إلى عدم كفاية الأموال الموجودة في الجهات المستقلة، وخصوصاً أن الاتفاق الذي تم بين المجلس والحكومة، يقضي بتسليم الأموال على عدد من السنوات، وليس على الفور لأنها غير جاهزة للتسليم كلها الآن، خصوصاً أن بعض الجهات الحكومية مرتبطة بعقود، وبعضها بديون وبعض حقوقها المالية لا يزال في المحاكم بسبب خلافات مع المقاولين والموردين.وكذلك أوضح المسؤلون في مؤسسة البترول أن هذه الأموال المحتفظ بها مخصصة للإنفاق على مشروعاتها الرأسمالية، وأن تحويلها للحكومة سيؤدي بالمؤسسة إلى الاقتراض مجدداً لتمويل مشاريعها. هذه نماذج من الأسئلة الوجيهة والاعتراضات المهمة التي أرى أن من واجب الحكومة سرعة مناقشتها بشفافية وبالأرقام الرسمية الدقيقة قبل التوصل مع المجلس إلى الإجراء والقرار السليم المطلوب في هذه الأزمة، مع أهمية أن يستجيب كل طرف للطرح العلمي المقنع إذا صدر من الطرف الآخر، أما الصمت والتجاهل وإخفاء المعلومات فهي كارثة على البلاد والحكومة أيضاً.ومن المخجل أن يتطوع بعض الاقتصاديين أصحاب المواقف الوطنية المعروفة مثل جاسم السعدون ومحمد القاضي ود. أنور الشريعان وغيرهم بالإجابة عن كثير من هذه الأسئلة والأرقام والاعتراضات في تسجيلات صوتية ومكتوبة منشورة، في حين لا تزال الحكومة صامتة وفيها ثلاثة وزراء مسؤولون عن الاقتصاد.كما أرجو أن يكون ما سمعناه عن وجود خلافات بين الوزراء وكل منهم يلقي بعبء الإجابة على زميله غير صحيح، كما أرى أن على الحكومة والمجلس سرعة إقرار إصلاحات مالية فورية تحقق التضامن الاجتماعي في هذه الظروف عبر قوانين وقرارات يجب الموافقة عليها وإعلانها في وقت اتخاذ القرارات المالية المتعلقة بالعجز نفسه، خصوصاً أن الظروف مواتية للإصلاح الآن مثل: - الإعلان عن قانون لمشاركة الشركات والتجار والأغنياء في إيرادات الدولة عبر إضافة فقرات اإلى قانون الزكاة الذي صدر عام 2007 لتشمل كل الشركات العائلية والمؤسسات التجارية وذات المسؤولية المحدودة، وكذلك ضرورة إدخال كل هذه الشركات في تمويل صندوق دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص وعدم اقتصاره على الشركات المدرجة في البورصة فقط.- إلغاء المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية لعدم الحاجة لها ولمنع إساءة استخدامها في المستقبل. - سرعة إقرار قانون البديل الاستراتيجي للرواتب مما يسد الهوة الكبيرة بين الموظفين من أصحاب التخصص الواحد ويزيل النقمة والتبرم بين أبناء الشعب.- إعادة النظر في كثير من الامتيازات والمكافآت الكبيرة لكبار الموظفين والمستشارين التي ما عادت تناسب أوضاع الميزانية الحالية، ولا تتماشى مع المستقبل المنظور.- إعادة النظر في أسعار استغلال أملاك الدولة، مع تحرير الأراضي للشباب الحرفيين والصناعيين والمهنيين والمستثمرين.- تطبيق قانون المشاركة المعطل منذ سنوات واستقدام المستثمر الأجنبي.- لا بد من إلغاء صلاحية مجلس الوزراء التي تقضي بإلغاء قرارات ديوان المحاسبة والاحتكام إلى جهة مستقلة في حالة الخلاف.- وضع جدول معلن لإلغاء بعض المصروفات والمشاريع غير الضرورية من الميزانية.- سرعة إقرار قانون القيم البرلمانية ومنع هدايا النواب.- تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن شبهات الفساد ودعم هيئة مكافحة الفساد.- تقليص بنود المساعدات والمنح الخارجية والمصروفات السرية في الميزانية.- ضرورة وقف الدعم للشركات الرابحة والشركات غير المجدية اقتصادياً.- إذا ثبت بعد إجابة ومناقشة تلك الأسئلة والاعتراضات بشفافية مطلقة أن الاقتراض لا مناص منه، وتم الاتفاق بين المجلس والحكومة على ضرورة التمويل، فيجب أن يكون ذلك عن طريق التمويل الإسلامي أي بصكوك إسلامية، وهو الإقرب إلى الشرع والأفضل لحماية المال العام من نفق الفائدة وتضخمها في المستقبل.- إذا لم تتوافر الصكوك الإسلامية فإن تسييل سندات الخزانة الأميركية التي تملكها الكويت أفضل من الاقتراض الربوي.- كذلك لابد أن يكون التمويل في حده الأدنى مع إقرار قانون تلتزم فيه الحكومة بأوجه الصرف الضرورية فقط (يعني بالقطارة).- لا يجوز صرف المال العام في أي تعويضات مالية أو تنفيعات تجارية كما بينت في المقال المفصل قبل أسبوعين.- وأخيراً فإن مناقشة الأوضاع الاقتصادية بصراحة والإجابة عن تلك الأسئلة والالتزام بالإصلاحات المذكورة يحقق الشفافية المطلوبة من الحكومة والمجلس ويؤدي إلى قناعة ومشروعية شعبية وتضامن اجتماعي نحن أحوج ما نكون إليه في القادم من الأيام.والله الموفق.