تحديات كبرى تواجهها الحكومات الخليجية في جهودها المضنية لمواجهة واحتواء فيروس كورونا الذي يفتك بالآلاف في العالم، هذه المجاميع البشرية الكبيرة من الجاليات غير الخليجية، التي تعيش ظروفاً وأوضاعاً معيشية بائسة تتشارك السكن بكثافة في منازل ضيقة، في أحياء ومناطق مزدحمة بالبشر، عشرات يتكدسون في شقة واحدة، يتناوبون على دورة مياه واحدة، ومطبخ واحد! مؤخراً، انتشر فيديو لشقتين، يسكنهما 95 عاملاً آسيوياً، رواتبهم لا تكفي حق الحياة، هل كان ذلك سيحصل لو قامت الجهة المسؤولة بواجبها؟!

المواطنون الخليجيون، والوافدون المقتدرون، وبحكم ظروفهم المعيشية المرفهة، يسهل التزامهم بالحجر المنزلي، والتباعد الاجتماعي، لكن هذه الجاليات غير قادرة على هذا الالتزام، وبخاصة في مسألتي: الحجر والتباعد، وهما أهم إجراءين في سلسلة الإجراءات الوقائية، لا يستطيعون الاحتباس في مساكنهم الضيقة لازدحامها، ولضعف وعيهم الصحي، لذلك تراهم يهيمون في الشوارع والطرقات، ويزحمون البقالات ومحال السوبر ماركت بحرية غير مسؤولة، وبدون مبالاة بالتدابير الصحية، بل زادت مسلكياتهم المخالفة مؤخراً، بعد أن أصبح كثير منهم عاطلين، بلا عمل ولا راتب، عاجزين عن دفع الإيجار، بسبب توقف عمل آلاف الشركات وإغلاق محال التسوق والخدمات (وأخص هنا العاملين في القطاع الخاص).

Ad

التداعيات الخطيرة للوضعية السكنية "غير الصحية" والظروف المعيشية الصعبة لهذه المجاميع، أمنياً وصحياً، تتطلب من حكوماتنا التفاتة جادة، وجهوداً استثنائية لتحصين هذه المناطق تجاه غزو الفيروس لها، فإن أي إصابة أو عدوى كفيلة بتفشي الوباء في هذه الأحياء والمناطق والعشوائيات البائسة، وتشكل قنابل بيولوجية موقوتة.

الكويت أعلنت عزلاً كلياً لمنطقتي "جليب الشيوخ" و"المهبولة" وسلطنة عمان أغلقت "محافظة مسقط" كما سبقت لقطر أن عزلت "المنطقة الصناعية" في أول إصابة، مع توفير الرعاية الصحية والطعام، لكني أتصور أن هذه الجهود، على أهميتها غير كافية، لأنها مقتصرة على مناطق الإصابات، ماذا عن المناطق المكتظة الأخرى، التي لم تصلها العدوى، بعد؟ ماذا عن الظروف المعيشية الصعبة لقاطنيها، ممن لا موارد لهم؟!

كيف نعمل على حمايتهم من العدوى ونؤمن لهم العيش بسلام، خلال هذه المرحلة؟ علينا التفكير في الأساليب المناسبة للوقاية ومد يد العون، فهما أقل كلفة بكثير من العلاج، والتداعيات الصحية والأمنية الخطرة... أتصور أننا بحاجة إلى "غرفة عمليات" كفؤة، خاصة بهذا التحدي الكبير، تخاطبهم بلغاتهم التي يفهمونها.

على حكوماتنا من منطلق مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية والحقوقية المسارعة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لنجدة هؤلاء المقيمين بيننا، في قلب عواصمنا، قبل فوات الأوان، إنهم اليوم بأمس الحاجة إلى يد العون، وإلى نظرة مرحمة منا جميعاً حكومات ومجتمعات، هذه مسؤولياتنا جميعاً، مسؤولية أغنيائنا وجمعياتنا الخيرية والمدنية وشركاتنا والكفلاء.

أيها المسلمون، أيها الخليجيون: هذا شهر رمضان الكريم مقبل، شهر العطاء والرحمة والغفران، هذا شهركم لتكونوا نموذجاً لإعلاء قيم الدين والإنسانية والأخلاق، وهؤلاء أولى بعونكم بصدقاتكم وزكواتكم وبركم، وعلى دعاتنا حث الميسورين توجيه مساعداتهم في هذه الظروف إليهم بدلاً من الخارج، فالمقيمون المحتاجون أولى بالمعروف.

آلاف الوافدين المخالفين والفارين والذين انتهت إقاماتهم، ومن لا عمل لهم والمتسولين، وممن انقطعت بهم السبل، ومن البؤساء الذين استغلهم وسرحهم تجار الإقامات، أهيب بهؤلاء التجار، فهذا يومهم ليكفروا عن بعض ما اقترفوا؟ على حكوماتنا عدم احتجاز هؤلاء في معسكرات مزدحمة، وحمامات مشتركة، خشية تفشي الوباء بينهم، وقد طالبت "منظمة هيومن رايتس ووتش" حكوماتنا، بإيجاد بدائل عن "الاحتجاز القسري"، علينا إعفاءهم من الغرامات وإعانتهم بالمساعدات، ومنحهم تذكرة مجانية إلى بلدانهم، كما فعلت الكويت من منطلق إنساني، فالمرحلة تتطلب تكاتف الجميع والمسؤولية مشتركة.

اللهم لا أحد غيرك قادر على رفع هذه الجائحة لهذا العدو الذي لا يرى ولا يرحم.

* كاتب قطري