تركيبة كورونا السكانية
في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن تركيبة دواء لعلاج كورونا نبحث هنا حثيثا عن علاج لتركيبتنا السكانية، ومع صدمة الوباء التي طيرت لب الكرة الأرضية اكتشفنا مع جروحنا الكورونية الملتهبة أن المسكنات التنظيمية والإدارية و«الترقيعية» السابقة لم تنفعنا في تسكين أوركسترا الصداع الحالية التي قادها «كورونا»، وكان كورالها تركيبتنا السكانية الصادحة وراء عصا المايسترو الكوروني. وللأمانة طريق حل التركيبة السكانية هنا غير معبّد ومليء بالحفر والمطبات، ومن سار فيه قاصدا إيجاد حل مناسب يتوافق مع المعايير الوطنية والإنسانية لابد له من الوقوع في حفر عنصرية وغير إنسانية، والاصطدام بمطبات ساذجة يوتيوبية مغلفة برؤى لم ينزل المنطق بها من سلطان. فهناك من يريد جعل البيض كله في سلة الوافد بدون محاسبة دجاجة الشركات والمؤسسات التي جعلتها تجارة الإقامات تبيض ذهبا في أرصدتها مع كل عقد عمالة تستحوذ عليه بطرق ملتوية لترمي عمالتها لاحقا على رصيف التركيبة السكانية لتعاني ونعاني الأمرين! وهناك من يغمض عينيه عن ثغرة الدفرسوار الحكومية التي سهلت لكل حصان طروادة يمتطيه تجار الإقامات اختراق أسوار أمننا القومي، وهدم أبراج تركيبتنا السكانية.
وبالمقابل إذا استثنينا دفاع أصحاب الهوى الشخصي وهجومهم بالكره والمحبة والذين يستحق ضجيجهم مقالاً مفصلا ربما أكتبه بالقابل من الأيام، هناك فريق حسن النية مفرط في إنسانيته، وطاغ في عاطفته، يعتبر نفسه بابا المثاليات الأوحد، فيوزع صكوك الغفران يمينا وشمالا على كل الوافدين بدون استثناء، رغم أنه يعلم أن الكثير منهم ساهم بصورة أو بأخرى ومع سبق الإصرار والترصد في تراجيديا تركيبتنا السكانية، هؤلاء العاطفيون مفرطو الإنسانية يريدون علاج الجرح النازف بدون رؤية الدماء وتحمل ألم المشارط، وهذا أمر ترفضه ألف باء مناهج طب الحزم اللازم لعلاج أمراض تركيبتنا السكانية المستعصية. ما سبق ملخص لما يعانيه الباحث عن الحل وفق أطر الأمن القومي، وهي مسيرة معاناة جسيمة طوال رحلتها، لا عنصرية تفيد قلبه ولا ضوضاء الهوى ترحم أذنه، ولا العاطفة المفرطة نفعت عقله! الإفراط في تصور حل تركيبتنا السكانية خلال شهور هو سذاجة مفرطة أيضا، فالأمر يحتاج سنوات طوالاً لنصل إلى الهدف الأول فقط، وهو هنا حسب ما أدري رفع نسبة المواطنين إلى 40%، ومع الالتزام والتطبيق السليم ربما نصل إلى نسبة عنق الزجاجة أو الـ51% خلال عقود لا سنوات، وهي النسبة المنطقية لأي دولة، نعم هو طريق طويل غير معبد، وأولى خطوات إصلاحه تكون بعدم تجريب المُجرب، وتغيير كل المسارات التي استخدمت سابقا لمعالجة هذه المعضلة، وأول هذه المسارات نظام الكفيل الذي يجب سد ثغراته كافة، وحصر منافذه في هيئة واحدة مستقلة تقوم بدور الوسيط بين العامل ومستخدمه. هذه الهيئة تكون مسؤولة ووكيلا حصريا لجلب العمالة المطلوبة وفق شروط نافذة واحتياجات فعلية، وهذا الأمر يحمي العامل من الاستغلال، فالعقود القانونية تحميه وتحمي صاحب العمل من تحايل العمال أيضا، المسار الثاني بناء مدن عمالية لا تكون صدقة وهبة من الدولة بل تكون رافدا استثماريا لها عبر تأجيرها لأصحاب الأعمال لتوفير مساكن لعمالتهم، وتحسب من ضمن تكلفة العامل ذاته.هذا الأمر يجعل تطوير مدن العمالة الحالية كالجليب وغيرها سهلا، ويوفر دخلا إضافيا للدولة عبر استثمارها وفق منهج اقتصادي صحيح. المسار الأخير لا يختص باللوائح والنظم، بل يمر عبر ميدان طريقة عيشنا كمجتمع مرفه، فجزء كبير من العمالة يخدم هذا الجانب كالعمالة المنزلية وعمال الخدمات، ولا أطالب هنا بنبذ الرفاهية والتخلي عنها ورميها وراء واقع بترولنا، بل أطالب بتقنينها فقط، فمجتمع المليون والثلاثمئة ألف لا يحتاج 800 ألف عامل منزلي، ولا يحتاج جيوشا من العمالة تخدم رفاهية طفولية آن لها أن تكبر عن طوق الكسل، وتساهم في إصلاح تركيبة وطنها السكانية لمصلحتها ومصلحة أجيالها القادمة أولاً وأخيراً.