حرب عالمية ثالثة... بلا طاولة مفاوضات

نشر في 15-04-2020
آخر تحديث 15-04-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار لو قال لنا أحد الأشخاص، قبل 3 أشهر، إن الحرب العالمية الثالثة القادمة سيتم خوضها دون جيوش، بل في المستشفيات، وإن خطوط التماس هي أسرّة المرضى، وإن الجرحى والقتلى دون دماء، وإن أسلحة الحرب ستكون عبارة عن رداء واق وقناع ومعقمات وأجهزة تنفس صناعي، وإن الخطوط الأمامية يقودها رجال ونساء يضحون بحياتهم دون حماية، لا يحملون أسلحة من أي نوع حتى الخفيف منها، وإن العدو ليس حتى كائناً حياً، ليس له وجه، ولا حتى اسم باستثناء ما اختلقناه له، ليس له عقل، وليس له حلفاء لكي يضغطوا عليه بالتوقف، وليست له مصالح واضحة لكي نتفاهم حولها، والأهم من كل ذلك لا طاولة مفاوضات. لو قيل لنا ذلك، لاعتبرناه من أحاديث الخيال العلمي، "ستار تريك" أخرى، أو فيلم "كونتيجس" أو حالة تجل مجنونة.

أقوم بدراسة تداعيات فيروس كورونا على العلاقات الدولية، وكيفية تفاعل الدول والمجتمعات مع الغموض والخوف. كان لافتاً وصف غالبية قادة العالم لما يجري مع كورونا بأنها "حرب" و"سننتصر"، ولكنها حرب تخوضها كل دولة على حدة.

خلال قرن مضى تعرض العالم لحربين عالميتين، وخمسة أوبئة. الحربان العالميتان كانتا بين أعداء وخصوم معلومين لهم أسماء، وأسلحة فتاكة، تشكل بموجبها وعي البشرية بمعنى الحرب العالمية، يتنازع الأقوياء فيدخلون حرباً مميتة، يجلسون بعدها على طاولة مفاوضات ويوزعون الغنائم، فللمنتصر مثلاً "بريتون وودز" وللمهزوم "سايكس بيكو". منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، دخلنا في أتون حرب باردة، مع أكثر من ١٤٠ نزاعاً مسلحاً، محكومة بقواعد توازن دولي، تدعمها أحلاف وتحالفات، ولم يكن ممكناً لأحد التطفل لتغيير ذلك التوازن. كانت كل موجة عنف زائدة الجرعة، يظنها البعض حرباً عالمية ثالثة. انتهت الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفياتي وخروج ١٥ دولة منه، مع استمرار النزاعات المسلحة. قيل حينها لا مجال لحرب عالمية جديدة. حرب كورونا، طالت كل دول العالم تقريباً، عدد الموتى حتى الآن تجاوز 110 آلاف، ثلاثة أرباعهم في خمس دول من الأعلى تصنيفاً في العالم، والمصابون أكثر من مليونين، والأرقام في صعود. فهل بالإمكان الانتصار بالسلاح النووي، وهل تستطيع الأسوار منعه من الدخول؟ بمقاييس الحروب هي حرب عالمية ثالثة، ولكن بأدوات مختلفة، لن يكون فيها منتصر، ولن يتشكل بعدها نظام دولي جديد، بل متغيرات في طبيعة العلاقات الدولية، فالحرب ليست في مفاصل القوة بل في مكان آخر، فهي في نمط الحكم، والهيمنة، والاستئثار بالموارد، والاعتداء على البيئة. لن تكون الحياة بعدها كالحياة قبلها، فالكل مدان والكل متضرر وبالذات الأقوياء. على أية حال، الحرب لما تنته بعد، وخصمنا الغامض لم يهزمنا فحسب، بل كشف لنا مواطن ضعفنا، فمهما كانت التفسيرات والتبريرات فمن الصعب استيعاب ضياع القدرة على إيجاد حلول في الدول الكبرى.

الدروس كثيرة، وقد آن أوان الاستفادة منها.

back to top