ليس من الصواب حظر «هواوي» لاعتبارات جيوسياسية

الكويت اتخذت أكثر الإجراءات صرامة في المنطقة للحد من انتشار كورونا

نشر في 17-04-2020
آخر تحديث 17-04-2020 | 00:04
شركة هواوي
شركة هواوي
«إننا لا ننتظر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يطل علينا بتفعيل مزيد من محاور الحرب التجارية بين أميركا والصين في زمن زوال الطابع الغربي عن التكنولوجيا وثبات جدارة الصين في ريادتها».
دهم الفيروس الجديد حياتنا، وغير من أنماط سلوكنا وعاداتنا، دخلت تحدياته قلب نسیجنا الاجتماعي، وقلبت أحوال عالم المال والأعمال رأساً على عقب. البشرية بعلمائها وأطبائها وخبرائها ومتخصصيها قيد البحث عن طوق نجاة. نتلفت جميعاً يميناً وشمالاً ونتلقف كل ما يقذف إلينا من أخبار عن بارقة أمل وبوادر حل للأزمة.

في هذه الأوقات الحاسمة من تاریخ البشریة، الأحرى بنا أن نركز على كيفية الاستفادة من هذه المزايا، من خلال نهج تعاون عالمي موحد تتضافر فيه الجهود لتقدیم حلول سریعة ذات فعالیة وكفاءة. عالم التكنولوجیا يجسد نهج الابتكار وغنى الموارد والادوات الابتكارية والفكر الاحترافي المعمق لمعالجة هذه التحدیات الجدیدة.

وقد مكنتنا صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات من الحصول على بنى تحتية متطورة، وأصبحت مظاهر الذكاء والرقمنة تشمل صورا كثيرة من حياتنا اليومية، وهذا هو الوقت الصحيح لكي تضع التكنولوجيا بصمة لها في إيجاد الحلول وعودة الأمور لمجاريها.

لسنا في وضع مثالي لتبني نظرية المؤامرة وتبادل الاتهامات. ليس هذا الوقت الصحيح لمواصلة الحروب وتوسعة نطاق النزاعات. لا ننتظر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يطل علينا بتفعيل مزيد من محاور الحرب التجارية بين أميركا والصين في زمن زوال الطابع الغربي عن التكنولوجيا وثبات جدارة الصين في ريادتها.

لا ننتظر من الحكومة الأميركية كيل مزيد من الاتهامات للصين بعدم الشفافية حيال الحقائق المتعلقة بالفيروس، ولا نتوقع من أي حكومة احتكار دواء أو لقاح محتمل للفيروس بشراء الشركات التي اقتربت من تحقيق ذلك.

لا نرى الصواب في متابعة الإدارة الأميركية لحظر عملاق في مجال تقنية الجيل الخامس كشركة هواوي لاعتبارات جيوسياسية واتهامات أمنية، فليس للسياسة أن تتكلم لغة التكنولوجيا الآن، ولا شك في أن العملاق الصيني لديه الكثير ليقدمه للعالم في مجال تعزيز قدرات الشبكات والذكاء الاصطناعي وغير ذلك من الثمار التي أنتجها شغف الشركة الكبير للبحث والتطوير. لاشك أن العديد من شركات التكنولوجيا صغيرة أم كبيرة كانت لديها العديد من المنتجات المتطورة التي يمكن استخدامها للحد من انتشار الفيروس والتحكم فيه.

ليس هذا وقت كيل أوروبا لاتهامات تتمحور حول استهداف تغيير التركيبة الديموغرافية لبلدان القارة العجوز من خلال الفيروس، لسنا بصدد التشكيك في أمن شبكات الجيل الخامس لأننا بأمس الحاجة حاليا لأكثر أنواع الاتصالات والابتكارات التكنولوجية تطوراً، التي من شأنها المساهمة في تخفيف حدة الخطر ومعالجته وإيجاد الحلول بغض النظر عن جنسية الشركات، وبعيداً عن مناوشات المنافسات التجارية.

إنه وقت العقلانية ووضع النقط على الحروف والأخذ بزمام المبادرة للحيلولة دون تفاقم الوضع. تماماً كما فعلت قيادة الكويت الرشيدة التي عودتنا دائماً على استباق خطوات رص الصفوف وتوحيد الجهود والدعوة للتضامن والعمل المشترك. اتخذت الكويت أكثر الإجراءات صرامة في المنطقة للحد من انتشار الفيروس، كما كانت إحدى الدول السباقة في تطبيق تدابير تتبع أعلى المعايير لحماية المواطنين والمقيمين.

وعلى الرغم من كل التحديات، يضعنا عالم التكنولوجيا ضمن دائرة أمل كبيرة فيما يتعلق بتولي زمام الأمور، الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وتعلم الآلة وقدرات تحليل البيانات الضخمة وغيرها، تقنيات باتت واقعاً ملموساً نتطلع قدماً لتحقيقها مزيدا من النتائج المبشرة في مجال تعزيز مختلف قنوات التطور الاجتماعي والاقتصادي، لكن الأهم حالياً هو ما يمكن للتكنولوجیا أن تقوم به لعودة الأمور إلى مجاريها، لنكون على موعد مرة أخرى مع مشهد العالم الرقمي المنشود، والمستقبل الأكثر ذكاءً وتواصلاً، والأهم من ذلك، الأكثر صحة وأمانا.

نتوقع من العالم الرقمي المتصل أن يكون على استعداد لحل أي أزمة من خلال نهج تعاوني منفتح يؤدي الغرض المطلوب بالنسبة للاستجابة السریعة وإيجاد الحلول في وجه هاجس التهديد المميت الذي هز حياتنا وأربك الحكومات في مختلف أنحاء العالم، وتركهم في عزلة بدون استراتيجية موحدة للتعامل مع هذا الخطر الداهم.

التقدم المذهل في التكنولوجیا والصناعة مكننا من تقلیص مشاكل حياتنا اليومية وتشكیل عالمنا بشكل أكثر تناسباً مع احتیاجاتنا العصرية، لكن الحال قد تغير اليوم، فقد أغلقت المدارس والشركات في شتى أنحاء العالم، وألغيت الفعاليات وأصبح الناس محاصرين في منازلهم. ومن الممكن أن يخسر ملایین الأشخاص وظائفهم، وتنهار مجالات عديدة من الأعمال التجاریة.

وسط الظروف الحالية الاستثنائية، نستذكر التقدم الكبير الذي شهده عالم التكنولوجيا خلال السنوات الماضية عموماً، وعام 2019 على وجه التحديد الذي شهد الإطلاق التجاري لشبكات الجيل الخامس، مدعومة بدمج تقنيات أخرى متطورة كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وقدرات تحليل البيانات الضخمة وغيرها من أدوات التكنولوجيا الحديثة التي وعدنا القائمون عليها من الشركات العالمية التي توفرها والشركات التي تشغلها والهيئات والمنظمات الدولية والحكومية التي تنظم خدماتها وتشرف على معاييرها ومقاييسها بالعديد من المميزات الجديدة التي ستغير معالم مجتمعاتنا وتطور أعمال العديد من الصناعات والقطاعات على ضوء الميزات غير المسبوقة لهذا الجيل الجديد من التقنيات مقارنة بسابقاته.

قيل لنا إن مزايا تقنية الجيل الخامس لا تنحصر بإمكانية حصول محبي الأفلام على ميزة تنزيل فيلم طويل بدقة عالية خلال ثوان أو دقائق فحسب، بل تشمل طيفاً أكبر بكثير من المزايا والقدرات على صعيد اتصال البشر بالبشر، والبشر بالآلة، والآلة بالآلة، مما يفتح فرصا جديدة أمام تطور العديد من الأعمال والصناعات بالتغلب على نقاط الضعف والتعامل مع التحديات، ويمكننا من التحكم بشكل أفضل بجودة الخدمات وسرعة وصولها إلينا.

یمكن أن تساعدنا التكنولوجیا في التغلب على العدید من المشاكل الناتجة عن هذه الأزمة. الدراسة عن بعد وسرعة التواصل والاستجابة للحالات الطارئة وتفعيل مزيد من أوجه الطب الرقمي والمراقبة عن بعد لانتشار الفيروس والتشخیصات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والشبكات الاجتماعیة والتجاریة، ومتابعة عمليات الشحن والخدمات اللوجستیة، كلها من الأمور التي يمكن للتكنولوجيا – شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي على وجه التحديد - أن تسهم في تنظيمها بشكل أفضل وترفع معا إنتاجيتها وكفاءة أعمالها، فضلا عن الحاجة الماسة لرفع قدرة شبكات الاتصالات على التعامل مع الضغوطات الكبيرة التي يعانيها حالياً مشغلو الاتصالات نظراً لزيادة الطلب على الانترنت وحركة البيانات أكثر من 100 في المئة في بعض البلدان.

التكنولوجيا مجال غني بالكفاءات والمهارات، لندع شركات التكنولوجيا تأخذ دورها الكامل في إطار مسؤوليتها الاجتماعية، بعيدا عن أي حساسيات ترتبط بجنسيات الشركات أو تجارية العلاقات. لنركز مع الحكومات على تفعيل مزيد من قنوات التواصل والتنسيق والتعاون بين القطاعين العام والخاص.

لنفتح عقولنا وقلوبنا أمام العمل الجماعي المشترك وتضافر الجهود والانفتاح على الآخر في إطار تسخير التكنولوجيا لمصلحة إيجاد الحلول، لندعم ونسهل عمل خبراء وشركات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والواقع الافتراضي والواقع المعزز وتحليل البيانات الضخمة للتحرك بسرعة لمساعدتنا على إصلاح الأمور وعودتها لمجاريها، فما زال المستقبل مشرقا أمامنا إن عملنا معا شركاء لمصلحة البشریة جمعاء.

يجب التركيز مع الحكومات على تفعيل مزيد من قنوات التواصل بين القطاعين العام والخاص

علينا إيجاد الحلول بغض النظر عن جنسية الشركات وبعيداً عن مناوشات المنافسات التجارية
back to top