ما قل ودل: الرق والاسترقاق في تجارة الإقامات
تجارة العبيد أولى الجرائم التي حظيت باهتمام المجتمع الدولي، وناقش أمر تجريمها مؤتمر فيينا عام 1815 ومؤتمر لندن عام 1841 ومؤتمر الكونغو عام 1885.
الإقامات من أصول الشركات عندما أصبحت الإقامات أصلاً من أصول الشركات المتاجرة في الإقامات، ويتم التخارج في هذه الشركات أو التنازل عنها ببيع هذه الشركات فإن تقييمها يدخل فيه عدد الإقامات المسجلة عليها، لأنها تدر على أصحاب الشركة دخلا سنوياً، وهو ما يدفعه الوافد لتجديد إقامته السنوية، بما لا يقل عن 500 د.ك، وهي قصة رواها لي أحد كبار المحامين الكويتيين، بأنه في صفقة عقدها لأحد موكليه، كانت دهشته بالغة من الثمن الكبير الذي طالب به أصحاب الشركة البائعة، وعندما طرح تساؤله في الأمر الذي أدهشه أجابه أصحابها إجابة لا تخلو من غرابة هي أن هناك 700 إقامة مسجلة على الشركة، أي أن مخالفي الإقامة هم أصل من أصول الشركات المادية كأثاث الشركة ومقوماتها المادية، فأصبحوا بذلك سلعة تباع في سوق النخاسة، والكويت ليست كذلك، فهي إمارة الإنسانية.وقد عرَّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الاسترقاق بأنه ممارسة كامل السلطات المترتبة على حق الملكية، أو إحداها على شخص ما، بما في ذلك الاتجار بالأشخاص.
أسواق العبيد وفي بيان للديوان الوطني لحقوق الإنسان اتهم تجار الإقامات بالمتاجرة بالبشر، بلا ضمير أو وطنية أو إنسانية، كما أكد الديوان أن هذه الجريمة تشكل إساءة بالغة لسمعة الكويت على الساحة الدولية، فضلا عما سترتبه من أعباء سياسية واجتماعية واقتصادية على كاهل الدولة.وتصف د. خوله مطر في مقالها "من يستر عوراتكم" الذي نشر على صفحات "الجريدة" مكاتب الخدم، بإعلاناتها: "العاملة الفلبينية بسعر... والإثيوبية بسعر... والطباخ البنغالي بسعر... بأن هذه المكاتب التي ليست أكثر من ذاك الذي كان ينادي في أسواق العبيد، ويحسن وصفه بأنه شديد البنية، وقادر على تحمل الأعمال الشاقة، أو أنها ساحرة في الجمال، وتصلح أن تكون جارية تمشط شعر المعزبة، بالنهار وتسلي "مالكها" في المساء!".وكانت تجارة العبيد أولى الجرائم التي حظيت باهتمام المجتمع الدولي، وناقش أمر تجريمها مؤتمر فيينا عام 1815 ومؤتمر لندن عام 1841 ومؤتمر الكونغو عام 1885، كما تناولت هذا التجريم مؤتمرات في أعوام 1910 و1919 و1921 و1926 و1933، ومؤتمر جنيف عام في 1956 ومؤتمر الأمم المتحدة في جنيف حول قانون البحار عام 1958. لا احتكار في الإنسانية وفي مقال رائع للدكتور د. ناجي سعود الزيد "ملاجئ ووجبات ثم ماذا؟"، يقول "الإنسانية لا يحتكرها لون أو جنس أو جنسية أو دين أو ملة، الإنسانية هي الإحساس بالألم والحرمان الذي يعانيه الآخرون".وقد دعا بيان الديوان الوطني سالف الذكر إلى "معاملة العمالة الوافدة ممن تقطعت بهم السبل بإنسانية ودون تفرقه، وحفظ كرامتهم إلى أن تتهيأ ظروف عودتهم إلى بلدانهم معززين مكرمين"، مؤكدا أن سمعة الكويت ومكانتها الرفيعة يجب ألا تتركا نهبا لعبث زمرة وقلة ارتضت لنفسها القيام بهذا الفعل القبيح المشين، المحرم شرعاً والمجرم قانونا.ويضيف د. ناجي سعود الزيد في مقالة سالف الذكر: "هؤلاء المشردون حالياً بحاجة ماسة إلى المال مهما كان زهيداً، من عامل النظافة إلى حمال الجمعية إلى الخباز وراعي النخي والباجلة، وبائع السندويشات الخفيفة والسمبوسك والفلافل، وبائع الآيس كريم أو محل العصير، والصباغ والكهربجي والحراس وعمال البنّاء وغيرهم... يعيلون أشخاصاً وعائلة أو أكثر في البلدان التي أتوا منها، وهؤلاء المعتمدون عليهم يعانون كلما طالت مدة الحظر، وقلّت فرص العمل، وازدادوا جوعاً وبؤساً". ويضيف فلاح بن حجري في مقال تحت عنوان "تركيبة كورونا السكانية": "وللأمانة طريق حل التركيبة السكانية هنا غير معبّد ومليء بالحفر والمطبات، ومن سار فيه قاصدا إيجاد حل مناسب يتوافق مع المعايير الوطنية والإنسانية لابد له من الوقوع في حفر عنصرية وغير إنسانية، والاصطدام بمطبات ساذجة يوتيوبية مغلفة برؤى لم ينزل المنطق بها من سلطان".ويضيف وليد عبدالله الغانم في مقال "كورونا فضح فسادهم" على صفحات "الجريدة": "تجارة الإقامات التي تعب المخلصون وهم يحاربونها من بعد التحرير ظهرت اليوم في أفظع أشكالها وبأسوأ أوقاتها لتقول للكويتيين هذا ما جناه الفاسدون والجبناء على وطنكم، عشرات الآلاف من العمالة بلا عمل حقيقي ولا راتب مستديم، ولا سكن صالح، في بؤر سكنية متفجرة كل العالم يراها ما عدا المسؤولين في الجهات المعنية، حيث تسترت هذه الجهات عمداً أو خوفاً من مواجهة حيتان هذه الجريمة أو ربما كان بعض قيادييها مستفيدين من التجارة نفسها كما ظهر مؤخراً مع أحد الضباط أو ما تم نشره من الاستثناءات في أذونات العمل الصادرة من الداخلية". وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.