فشل مجلس الأمن في اتخاذ أي إجراء ينقذ البشرية من وباء كورونا! وعجزت الأمم المتحدة عن أخذ زمام المبادرة بالحد من انتشاره وتطويق آثاره وإلزام العالم في الحفاظ على "الأمن والسلم الدوليين"! لم نسمع تهديداً ولا وعيداً ولا "فيتو" ولا تحديد مهلة 24 ساعة طوال الأزمة، بل نسمع نداء خجولا وعبر "السكايب" لمجلس الأمن سرعان ما تبخر بعد الإعلان! جاء "كورونا" ليكشف هزالة هذا الكيان وضعفه أمام "جائحة" لفَّت الكرة الأرضية دون أن يكون لها دور فاعل على مستوى الكارثة التي حلت بأعضاء هذا الكيان وشعوبه! قد تكون هناك مبررات أخرى تدعم هذا التوجه، منها تخاذلها أو عدم قدرتها على محاكمة أو عزل أو تقييد حكام أقدموا على قتل الآلاف من مواطنيهم، بل تشريد الملايين منهم ورميهم خارج بلدانهم والتسبب في أزمات مهاجرين ولاجئين لدى دول ومجتمعات أخرى.
بل إن الشلل يطول الأمم المتحدة على أكثر من جبهة، لا سيما في الدول التي تشهد نزاعات وتقاسم حصص بين "دول عظمى" وإقليمية تنهش جسد هذه الدولة أو تلك، حتى باتت "شاهد زور" على ما يجري من فضائح وجرائم وانتهاكات تجاه حقوق الإنسان وغيرها. القوة الناعمة لم تعد تملك الأدوات ولا القدرة على منع الحروب أو الفتك بالشعوب التابعة لهذا "الكيان الدولي"، وإحدى أذرعه هي منظمة الصحة العالمية التي باتت تحت مرمى مدفعية ترامب لأسباب قد تكون خاصة بالانتخابات الأميركية أو بتغطية ضعفه وسوء إدارته لمواجهة الوباء!"دول عظمى" تتصارع على النفوذ مستغلة حالة الخوف من "الفيروس الشرير"، فالرئيس الصيني يقدم نفسه على المسرح العالمي كزعيم قوي ومنتصر، والرئيس الأميركي يستميت للدفاع عن "عظمته" وتوجيه الاتهامات للصين بأنها أخفت المعلومات عن الفيروس ستة أيام بعد أن انتشر.القراءة الأولية للتقاتل على زعامة العالم تقول إن ترامب أراد أن يخطف "اقتصاد" الصين ويثبت أنها دولة فاشلة، وأن الزعامة لقيادة العالم هي لأميركا لا لأحد غيرها! ومن هنا كان اتهامه لمنظمة الصحة العالمية بالتقصير والتخلي عن وظيفتها ودورها بمساعدة كل الشعوب لإنقاذ الأرواح، ووضع حد لتفشي الفيروس، وربما كان الاتهام عقاباً لها على تبرئة الصين من "الجريمة الدولية" التي ارتكبتها بحق البشرية، وهو ما يمكنها من تحسين صورتها أمام الرأي العام الدولي وجعلها أكثر قبولاً وأماناً! اليوم منظمة الصحة العالمية وقبلها الأونروا وغداً قد تكون "الفاو" والحبل على الجرار! فأذرع الأمم المتحدة تتهاوى واحدة تلوى الأخرى لأن النظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية أعطى "خمس دول عظمى" حق التصرف في مصير العالم والتحكم فيه، دون أي اعتبار للمنظمة الدولية التي تحولت إلى خدمة سياسات تملي عليها بحكم الواقع والقوة.المفاضلة اليوم أخذت منحى مختلفا، فلم تعد بين نموذج استبدادي تجلى بالنظام الصيني ولا بنموذج "رأسمالي" تمثل في إدارة ترامب والنظام الأميركي، العالم يبحث عن نموذج جديد قد يكون بإنشاء "منظمة إنسانية" وهيكلية مستحدثة بخلاف الأمم المتحدة، كيان دولي يحفظ "جمهورية الأرض" بهدف تحقيق "الأمن الاجتماعي" و"صحة الإنسان"، على أن يتوافر له مقومات الاستدامة ووفق معايير وصلاحيات قاطعة. نعيش حالة أفول لعصر بأكمله، ونتهيأ للدخول في منظومة دولية مختلفة تماماً عما سبقها، فهل يتحقق هذا المسعى؟
مقالات
قلب العالم ورئتاه يتهاويان أمام كورونا
19-04-2020