لا بيوت للنساء ليبقين فيها! *
قالوا: خليكم بالبيت، ابقوا بالبيت، أرجوكم ودخيلكم لا تخرجوا من البيوت، حتى أن المذيعات والفنانات والموسيقيين عملوا على نشر الرسالة، ربما لإحساسهم بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم، وربما لأنها تحولت إلى شكل من أشكال التقليد الفج، ومحاولة كسب بعض الرصيد لدى الجماهير، وهم في ذلك أفضل بكثير من رجال الأعمال و"التجار" الذين أثبتوا وفي كل بقاع الأرض أنهم لا ينتمون إلى وطن، وليست لديهم أية أحاسيس تجاه أي أمر سوى الكسب السريع، كنا نزدري سابقاً من عرفوا بـ"تجار الحروب"، وأصبح معظم تجارنا وصناع المواد الأساسية ووكلائها كلهم وكلهن تجار حرب. شاركت أيضا المحطات التلفزيونية في وضع شارة بعبارات خلاصتها لا تفكر لحظة في وضع قدمك في الشارع المقابل لبيتك، فالبيت هو الأكثر أماناً وسلامة من القاتل القادم مع نسمة هواء أو الجالس على سطح هنا أو هناك، أو العالق في رئة ضعيفة، ولا يكاد يقترب من أحد حتى تتضاعف الأرقام من المصابين، التزم البعض في البدء ثم اضطروا جميعا أن يلتزموا لأننا تعودنا أن العصا أكثر وطأة من الجزرة، اكتظت البيوت وتعرفت العائلات على أفرادها للمرة الأولى منذ سنين، وربما لذلك خرجت النكات، وفي كثير منها عنصرية شديدة ضد النساء طبعاً، ما زال فضاؤنا ذكورياً حتى النخاع، وثقافتنا أيضاً، وإلا ما تفسير أن تضحك النكات نفسها التي "تتمسخر" على الزوجات بعض النساء بل كثيرات منهن متعللات بأنهن لسن من حملة شعارات "حرية ومساواة المرأة"... إلخ... إلخ؟ كل هذا ربما ينقشع سريعا، ولكن ما حدث بعد أكثر من شهر من "خليك بالبيت" هو بروز قصص من هنا وهناك، وحكايات عن ابن قتل أمه، وزوج قطّع زوجته، وثالث تخلص من أخواته الثلاث، وهذه لم تكن مركزة في بلد أو مدينة أو شريحة اجتماعية، بل هي الأخرى ساوت بين الجميع كالفيروس نفسه الذي لم يميز بورس جونسون من ريتشارد العاطل عن العمل في مدينة نيوكاسل.
تسلى الرجال بالـ"فيسبوك"، وكثير من التلصص على المواقع هنا وهناك، حتى ارتفعت مبيعات تلك الحبات الزرقاء وغيرها!! وآخرون منهم عادوا للعب الورق والطاولة، والإكثار من الجلوس في رفقة الشيشة، وحدها المرأة طلب منها أن تقوم بكل المهمات اليومية لعائلة تسقط عليها غضبها وتعبها "النفسي" من البقاء بالبيت، حتى قال ذلك الابن لأمه "بعد انتهاء هذه الأزمة أريد أن أصبح ولد شوارع"! برز العنف اللفظي والصوري عبر الكاريكاتيرات التي تصور نساء الكون وهن في أقبح صورهن فقط، لأن محلات الحلاقة أغلقت، وكذلك عيادات التجميل وغيرها، ناسين جميعاً أن هذه لم تعد حكراً على النساء فقط، بل يتنافس الرجال لزرع الشعر وتعديل المناخير (الخشوم) والتخلص من الأكياس الدهنية تحت العين والشحم واللحم المكدس عند البطن، حتى صار البعض يتنافس مع النساء على حجز المواعيد في محلات المناكير والبادكير بشكل منتظم... ها قد تساوى الرجال مع النساء كأسنان المشط، إذاً تلك الصورة للمرأة التي "طلعت على حقيقتها" بعد الحجر ليست حكراً على النساء فقط، وذلك ربما شكراً وحمداً لعارضي الأزياء والفاشنيستات ومجلات الموضة وغيرها. بعد كل ذاك العنف، لم تطل المدة حتى كثرت أخبار النساء المعنفات، وقد لا يكون الأمر نتيجة ازدياد في الحالات، بل ربما لأن الأمر لم يعد محتملاً، ولم يعد أمام الكثير من النساء سوى طلب العون والاستغاثة بعد سنوات من الخوف من "الفضيحة" والشرف والعار للعائلة أو حتى لكي لا تهتز صورة الزوج أو الأب لدى أفراد العائلة الآخرين، أو أمام زملائه أو موظفيه، عبثت أيدي الرجال على اختلاف صفاتهم وقرابتهم، بوجوه وأجساد النساء ساعة اغتصاب عاطفي وجسدي وأخرى بالضرب المبرح حتى الموت. عندما رفعت بعض النساء والرجال الصوت عاليا رغم الحجر، خرج الدجالون من جحورهم ورددوا "نحن مجتمعات إسلامية" أو"متدينة"، فهذه الحوادث ما هي إلا حالات فردية لأشخاص مرضى! هذه أمراضهم هم أولئك المنكبون على البحث عن علاج لذاك الفيروس اللعين، ونحن نقضي الوقت في شرب الشاي و"شتمهم". العنف لا دين ولا وطن له كما الفيروس نفسه، وهو ينتقل أيضا تحت رادارات الكثيرين أو ربما لأن بعضهم استحلى تقليد النعامة أو حتى الرفض بقبول أن مثل هذه الأمراض تختبئ بين جدران منازلنا أو حتى ذاك الذي يعرف ويقول لنفسه "اعمل نفسك ميت"!* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية