ضمن أنشطتها الثقافية المستمرة، وحرصا منها على التواصل الثقافي، نظمت مكتبة «تكوين» محاضرة «لايف» عن طريق «إنستغرام»، بعنوان «محاكمة القيم للنص الأدبي»، تحدّث فيها الكاتب والناقد حسين المطوع.

في البداية، قال المطوع إن عنوان المحاضرة كان «المحاكمة الأخلاقية للنص الأدبي»، ووجد أن القيم مفهوم أشمل من الأخلاق، لأن القيم من الممكن أن تكون هناك فيها آراء اجتماعية، أو سياسية، أو أيديولوجية، أو دينية، وأيضا أخلاقية، لافتا الى أنه سيتناول فكرة من المفاهيم، ومنها مفهوم المحاكمة، ومفهوم القيم وتعارُضها مع النص الأدبي من خلال المحاضرة.

Ad

أغراض وظيفية

وبيّن أن سلوك المحاكمة أو سلوك إطلاق الأحكام هو سلوك إنساني طبيعي يقوم به الإنسان بشكل لا إرادي على كل شيء حرفيا نحن نعامله بهذه الطريقة، ونطلق عليه الأحكام، ويقوم به الإنسان لأغراض نفعية أو أغراض وظيفية في الحياة، ومن ثم أعطى المطوع أمثله لمتابعيه.

وأوضح المطوع أن النص الأدبي يخضع لعملية إطلاق الأحكام هذه، حاله حال أي شيء آخر، فالنصوص الأدبية التي أقرأها أطلق أحكاما عليها، فأنا لا أقرأها لأقول مكتفيا: هذا النص أعجبني أو لم يعجبني، ولكن أحتاج دائما إلى سبب أحاول إقناع نفسي به وأبني عليه رأيي، لماذا أعجبني هذا النص أو لم يعجبني، وهنا لا يتكلم عن المعيار الأدبي النقدي الأكاديمي، فهو لا يفكك السرد واللغة الشعرية والحوار، فهذا شيء موجود، لكن محاضرتنا تركّز على محاكمة النص الأدبي بناء على معيار القيم، فبداية توثيق الأدب مع سقراط، حيث قام بهذا الفعل، فرفض سقراط للشعر كان من منطلق أخلاقي بحت، فكان يرى أن الشعر يفسد أخلاق الإنسان، وأنه يروج نوعا من المشاعر والعواطف المبتذلة التي يجب على الإنسان ألا يتحلى بها، وتلك الحالة تكررت أيضا فيما يعرف بـ «Fairly tales»، ومنها سندريلا، وليلى الذئب، ففي فترة نهوض الفكر النسوي تم رفض هذه القصص بسبب أنها صنفت أنها تضع المرأة في صورة نمطية، وهذا حكم أخلاقي أو أيديولوجي تم فرضه على نص أدبي معيّن.

إطلاق الأحكام

وتساءل المطوع: هل هذا الفعل سليم حينما يطبق على النص؟ مشيرا الى أن مسألة إطلاق الأحكام على الأشياء سلوك طبيعي لدى الإنسان، فلماذا نستنكره مع العمل الأدبي، أولا عندما يكون السلوك طبيعيا، وهو يتمركز في طبيعة الإنسان يمارسه، وهذا لا يعنى أنه من السليم استخدامه وتطبيقه في كل الحالات، فمثلا يعتبر الفضول سلوكا طبيعيا في الإنسان، فهل من السليم أن أمارس الفضول في كل موقف وفي كل حالة ومناسبة؟

وأشار الى أنه في مواقف معيّنة يحتاج الإنسان أن يعطل هذا الحكم، أما المسألة الأخرى فهي أن عملية إطلاق الأحكام هذه تتعارض جوهريا مع وظيفة الأدب.

الناحية النظرية

كما ناقش المطوع فكرة الأدب في البداية من الناحية النظرية من حيث معيار القيم، فنظريا، الأدب تاريخيا تم النظر إليه من خلال منظورين متطرفين، وهذا لا يعني عدم وجود منظور وسطي يجمع بينهما، وناقش المطوع الحالات المتطرفة حتى يحاول الوصول إلى المنطقة الوسطي، والفكرة الأولى التي تم النظر إليها هي ما يُعرف بالأدب الملتزم.

وأضاف أن هناك رأيا أدبيا يقول إن الأدب يجب عليه أن يحمل رسالة إنسانية، وأخلاقية، واجتماعية، وهذه المدرسة تُعرف بمدرسة الأدب الملتزم، وأوضح حالاتها مع الأدب الاشتراكي أو ما يعرف بالواقعية الاشتراكية، لأن كل النصوص الأدبية في تلك الفترة تحمل الرسائل والقيم المجتمعية.

ومن ناحية الرأي المتطرف الآخر يقول «إن الأدب ملزم بحلّ رسالة قيمية، والرأي المتطرف الآخر هو ما يُعرف بمدرسة الفن لأجل الفن، وهذه النظرية تقول إن القيمة الوحيدة التي يطالب بها الأدب هي قيمة جمالية، أو الوظيفة التي يعمل فيها الأدب هي جمالية، وليس المطلوب من الأدب أو عليه أن يحمل أي قيمة أخلاقية أو إنسانية، فهو رسالة مهما كان نوعها، لافتا الى أن هذا الرأي نراه على النقيض من الرأي الآخر.

نظام رمزي

وأكد المطوع أن الأدب أداته اللغة، وأنه حين يتحدث عن اللغة بما هي كنظام رمزي، لافتا أن الرموز هي الشيء الذي يشير إلى شيء آخر، وأن طبيعة اللغة أنها تضمر أكثر مما تظهر، وأنها ممكن أن تخلق الدلالات ما يتجاوز المعنى المباشر المقصود، وأعطى المطوع مثلا وهو كيف أن اللغة، شئنا أم أبينا، ستحمل بذاتها كمية من الأنساق الفكرية، والإنسانية، والاجتماعية.

النص واللغة

وبيّن المطوع أنه حتى لو شئنا أن نحمّل اللغة قيما إنسانية، واجتماعية، أو أخلاقية، فاللغة قادرة على حل هذه القيم، وستقوم بهذا الفعل من خلال طبيعتها، فهنا نستطيع أن نتجاوز فكرة الفن لأجل الفن بصورتها المتطرفة.

وتساءل: هل معنى هذا أن نتجه إلى الأدب الملتزم؟ وأجاب قائلا: «الإنسان بطبعه يطلق الأحكام، واللغة بطبعها تكون محمّلة بالقيم، ما المانع أن نطالب النص بأن يكون بالضرورة حاملا للقيم الفكرية، والإنسانية، والاجتماعية.

مشاكلنا مع الأدب الملتزم هي في حالته المتطرفة، ليست المشكلة في أن يكون النص محملا بالقيم، والدلالات، والأفكار، المشكلة في تحويل هذا النص إلى أداة نبثّ من خلالها أيديولوجيتنا، وأفكارنا، ونطور النص إلزاما لإيصال إلى هذه الفكرة».

الأدب الملتزم

من ناحية أخرى، أشار المطوع إلى أننا نلاحظ في السينما انعكاسا لفكرة هذا الأدب الملتزم على الأعمال السينمائية والتلفزيونية، اليوم هناك نوع من ثلاث قيم يروج لها عالميا، ويتم تطوير الأدب والفن والسينما، وغيره لبثّ هذه القيم، المسألة الآن لا نحاكم هذه القيم من حيث صحتها وخطأها، لكن ما نناقشه كيف أحيانا نلزم أي عمل أدبي في بث أي قيمة.

عالم ممكن

وأوضح أننا نخلق من خلال الأدب عالما ممكنا، ومن خلال هذا العالم نضع فيه الإنسان، ونترك هذا الإنسان أو هذه الشخصيات لتواجه مصيرها والصراعات، ولتدخل في معارك بين الخير والشر، بين القوة والضعف، فالأدب هو عادة تأمل مجهري للنفس الإنسانية من خلال بناء هذه العوالم الممكنة، مشيرا الى أن الأدب يحتوي على هذه الممكنات، وبمواجهة هذا الأدب سيصطدم بهذه التابوهات، وهي المحرّمات التي لا نستطيع حتى التطرق إليها، وفي هذه المرحلة التي يصطدم فيها القارئ بهذه الأفكار التي تكون غير محببة، هنا تبدأ عملية محاكمة الأخلاق، وهنا يبدأ القارئ بعمل كالرقيب، ويبدأ إطلاق أحكام أخلاقية، ويقول عليها هذا عمل مناسب أو غير مناسب.