بين الإجلاء والعودة الآن وتجربة الغزو
بدأت أمس الأحد واحدة من كبريات عمليات "الإجلاء" للمواطنين الكويتيين بالخارج، الراغبين في العودة إلى البلاد، في إطار تداعيات أزمة "كورونا"، مع أن وصف العملية بـ "إجلاء" غير دقيق، فالعودة طوعية، وغير الراغبين في العودة لن يُؤاخَذوا ولن يُجبروا عليها.حسب المصادر الرسمية، فإن عدد مَن في الخارج يقارب الـ 60 ألفاً، وعدد المحتمل عودتهم يقارب الـ 35 ألفاً، مع احتمالات الزيادة أو النقصان.المرحلة الأولى للعودة إلى الوطن بـ 4 آلاف، موزعين على 28 رحلة جوية من مجلس التعاون الخليجي. تتبعهم المرحلة الثانية، ومن ضمنهم المرضى، ويزيد عددهم على 10 آلاف، إلى أن تنتهي العملية الكبرى، ينقصها ربما عودة اللاجئين الكويتيين في المنافي.
الذين وصلوا إلى أبوظبي، تم إجراء الفحوص اللازمة لهم من السلطات الإماراتية مشكورة، ولا علم لديّ إن تمّ ذلك في أماكن أخرى، مما سيخفّف الإجراءات التي سيخضعون لها. الكثير من السفارات واتحادات الطلبة في الخارج بذلوا جهداً كبيراً في التواصل مع المواطنين، وقامت السفارات بتحمّل مصاريف الإقامة، مضيفين للجهود المحلية رونقاً بديعاً، وأثراً طيباً على مَن في الخارج، كما أبلغني الكثير منهم. التجهيزات لاستقبال العائدين كبيرة وعالية الكفاءة، بهدف الحد من انتشار "كورونا"، ونأمل أن تكون كافية فعلاً. وحسبما أُعلن فإنه سيتم وضع سوار إلكتروني لكل عائد، لتعقّب الشخص في تحرّكاته لرصد المخالطة بالآخرين. علينا التنبيه بعدم جواز الاحتفاظ بالبيانات الشخصية، والتخلص منها حالما ينتهي الغرض منها، وإلا فإن ذلك يُدخلها في خانة التعدي على الخصوصية، كما حسمتها المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها بعدم دستورية قانون البصمة الوراثية.أيام الغزو كانت لنا تجربة مهمة قلّما تُذكر، وهي عودة الكويتيين أثناء الغزو والاحتلال الغاشم، فقد عاد عدد كبير من الكويتيين والكويتيات إلى البلاد خلال الغزو، بتضحيات كبيرة، بعضهم دخل تهريباً من الجنوب، ومنهم الصديق عبدالوهاب المزين، رحمه الله، الذي ألقي القبض عليه مع يوسف المشاري وآخرين، رحمهم الله، في بيت النزهة، وتمكّنا نحن مجموعة صغيرة من الإفلات حينها. أما العدد الأكبر فقد عادوا بشكل طبيعي عن طريق الأردن وغيره، وأذكر منهم شقيقاتي وأزواجهن وأولادهن، وأصدقاء كثر، منهم يوسف الشايجي وسعود العنزي وغيرهم كثير، أو عن طريق مطار بغداد، ومنهم زوجتي وأولادي الذين غادروا من دبي إلى عمان ثم بغداد، بعملية لا تخلو من المخاطرة، والإثارة.كنا حينها ننظّم زيارات لأهالي الأسرى في بعقوبة والموصل وتكريت والرمادي، وتسنّى لنا أن نتواصل مع الأهل والأصدقاء ونحثّهم على العودة إلى البلاد، فالصمود كان أساسياً أمام الغزاة بوجودنا نحن أهل البلد، حكاية من حكايات الصمود قلّما تُروى.هل من مقارنة بين العودتين؟ لا أظن إلا بالاسم. فالعودة تحت الغزو كانت محفوفة بمخاطر القتل والاعتقال والتعذيب، وهي عودة لمواجهة محتلّ مغتصب، وكانت المشكلة حينها تخصّ الكويت فقط، أما الآن فهي أزمة عالمية، وتأتي ضمن اهتمام بسلامة العائدين، الكل يشارك فيها، حكومة وشعباً، مع إجراءات رسمية جيدة، والأهم أنها عودة لوطن حر وآمن، عسى أن يدوم الأمان والصحة على الكويت وأهلها مواطنين أو مقيمين، وعلى البشرية جمعاء، ويزول الوباء في أسرع وقت.