نكبات لبنان كان ينقصها الكاريكاتير
ما كان ينقص لبنان إلا "كاريكاتير عنصري" حتى يكتمل مشهد المأساة والجلجلة. حمدنا الله على أن البلد عبر دون مشاكل باستثناء كم تعليق وردات فعل على رسمة لأنطوان غانم بجريدة "الجمهورية" بذكرى الحرب الأهلية بلبنان، والتي اندلعت في 13 أبريل عام 1975 يعمد فيها إلى تشبيه "الكوفيه الفلسطينية" بـوباء "كورونا". وبعيداً عن المهاترات والسجال الذي سببه هذا الكاريكاتير إلا أنه أعاد الذكريات الأليمة للحرب ونكأ الجروح من جديد، وفي بلد تنهشه النكبات المتتالية، ما إن يصحو من نكبة حتى يدخل في أخرى وهكذا دواليك.
قبلها أقدم الكاتب شربل خليل في إحدى المحطات التلفزيونية على كتابة نص جريء كسر فيه حاجز التقديس من خلال رسوم كاريكاتيرية، لشخصية دينية وحزبية كان من الصعب جداً تناولها، وكادت تتسبب في فتنة بين الطوائف وبشارع متعصب لا يحتاج إلى جهد كبير كي يتحول إلى لهب، المهم أن الأمر لم يطل بعد تدخل "السياسيين" و"الكبار" للتهدئة وجبر الخواطر. صحيح أن رسامي الكاريكاتير يتعرضون للمخاطر الدائمة وبعضهم طالته يد الغدر، وآخرون تم إبعادهم إلى المنافي بعيداً عن أوطانهم، لكن الرسمة أحيانا تأخذك إلى أماكن خطيرة تبقى محفورة بالذاكرة تؤرخ لمرحلة ما، ترتبط بها وتصبح شاهدة على مرحلة زمنية بأكملها، تتناقلها الأجيال للدلالة على حدث أو مأساة قد يتكرر على مرأى ومسمع من المعاصرين لها. أشهر الرسومات الكاريكاتيرية خلال العقود الخمسة الأخيرة ما خطته ريشة الفنان ناجي العلي عن الحرب الأهلية في لبنان، وهي بعكس النفس العنصري الذي ربط "فيروس كورونا بالأجانب" من غير اللبنانيين. أدخل ناجي الحوار داخل الرسم الكاريكاتيري وعلى لسان شخصين يعلق أحدهما على حادثة "بوسطة عين الرمانة"- باص للنقل العام في إحدى المناطق المسيحية- بالقول: القصة مش قصة عين الرمانة، بل قلوب مليانة! وهي إشارة إلى التراكمات والخلافات المدفونة بين اللبنانيين أنفسهم والتي انفجرت بالدم والتقاتل. ثاني أشهر رسمة لناجي العلي، وفيها يعبر عن الوضع المخزي والسيئ الذي وصلت إليه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، وقصة علاقته برشيدة مهران ومدى السطوة التي بلغتها! من الأسماء التي تركت بصمتها في عالم الكاريكاتير كان الرسام علي فرزات الذي تعرض لمحاولة اغتيال على يد النظام السوري بسبب انتقاده "الرئيس القائد" مما اضطره للهرب من سورية، وفي هذا المقام يروي الزميل الفنان نبيل أبوحمد، عندما اشترك هو وآخرون في معرض بمعهد العالم العربي بباريس وكانت رسمة لعلي فرزات يصور فيها صدام حسين وهو يأخذ أحد الأوسمة من وعاء امتلأ بالأوسمة ليضعه على صدر أحد الضباط، لتحتج السفارة العراقية وتهدد بقطع العلاقات إذا لم تسحب اللوحة!كذلك الحال حصل مع الرسام نبيل أبوحمد والذي رسم غلاف مجلة الحوادث وكان بعنوان العقدة والعقيد، ورقبة القذافي معقودة، بعدها بشهرين تقريباً، قتلوا صاحب المجلة سليم اللوزي!وإلى وقت قريب، أشعل الرسام السويدي لارس فيلكس، العالم الإسلامي بانتفاضة غير مسبوقة، بعد نشر كاريكاتير عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وفيه إهانة وإساءة للرسول بطريقة عنصرية بعيدة جداً عن حرية الرأي والتعبير، تلاها فتنة مجلة "إيبدو" الفرنسية عام 2014 والتي نشرت كاريكاتير مسيئا أيضا للرسول لأحد الرسامين في الدنمارك. في القائمة عدد لا بأس به من الرسومات والرسامين الذين كانوا سبباً في مشكلة عويصة أو أن رسوماتهم كان لها تأثير بالغ على مجريات الأحداث، وأصبحت أيقونات، يتناقلها الناس ليدللوا عليها، باعتبارها علامة فارقة وتحمل الوجهين، وجه يثير الفتنة والغضب تعرض صاحبها إلى التهديد أو القتل، ووجه ناصع وتاريخي يشار إليه من باب إثبات الحالة والاستشهاد بها، نظراً لقوتها وتأثيرها الممتد والقوي. نذكر هنا، فنانين تشكيليين أصحاب رأي دفعوا ثمناً غالياً من حياتهم بسبب رسم كاريكاتيري، منهم الرسام التركي "موسى كارت" لأنه انتقد الرئيس أردوغان، والهندي "عاصم تريفيدي" بسبب حملته ضد الفساد السياسي، والجزائري "علي ديلم" المعارض للسلطة الحاكمة، وأسماء أخرى ضمها تقرير موسع أعدته "منظمة "مراسلون بلا حدود".