هل يطلق فيروس كورونا حرباً بين تايوان والصين؟
تدهورت العلاقات الباردة أصلاً بين تايوان والصين مع انتشار فيروس كورونا، فقد أدى انعدام الثقة بينهما إلى توسّع العداء في طريقة التعامل مع الأزمة، ففي حين تعجز تايبيه وبكين عن التوافق حول إجراءات الإجلاء لا يزال مئات التايوانيين عالقين في مدينة "ووهان" الصينية التي شكّلت بؤرة الوباء في بداية الأزمة.نتيجة تفاقم أزمة فيروس كورونا والاضطرابات الفائقة التي سبّبتها يتصاعد التوتر بوتيرة متواصلة على طول مضيق تايوان، فلم يكن تفشّي الوباء القاتل سبباً في إعاقة المعركة ضد فيروس كورونا فحسب، بل إنه أطلق عواصف كارثية على طول المضيق أيضاً، فهل سيكون الفيروس فرصة لتجديد التقارب بين بكين وتايبيه أم تأجيج المواجهة بينهما؟بدأت الاضطرابات المرتبطة بفيروس كورونا اليوم تَجُرّ بكين وتايبيه إلى خوض صراع محتدم، وتتصاعد الضغوط المفروضة على العلاقات المتوترة أصلاً على طول مضيق تايوان بسبب موضوع إعادة التايوانيين من بؤرة الفيروس القاتل إلى وطنهم، ويظن المحللون أن الفشل في حل هذا النوع من الصراعات قد يُحوّل وضع المراوحة إلى مواجهة صريحة.
في غضون ذلك، كان منتظراً أن يراجع مجلس النواب الأميركي في 5 مارس "قانون مبادرة الحماية والتحسين الدولية لحلفاء تايوان" بما أن عدداً إضافياً من المشرعين الأميركيين عبّر عن دعمه للاعتراف بتايوان كدولة مستقلة، إذ تغطّي الاضطرابات المتصاعدة في المضيق على التوتر المحتمل بين الطرفين، وقد تؤدي إلى اندلاع صراع عسكري في أنحاء المضيق، لكن أسوأ سيناريو هو الذي وقع مع انتشار فيروس كورونا وتأثيره على العلاقات العابرة للمضيق، لذا برزت الحاجة إلى معالجة الوضع المتفاقم في تلك المنطقة.عمدت الولايات المتحدة والصين أيضاً إلى تصعيد منافستهما العسكرية بالقرب من تايوان عبر إطلاق قاذفات استراتيجية في جوار الجزيرة، فأطلق جيش التحرير الشعبي الصيني قاذفات "H6" بالقرب من تايوان في بداية فبراير، وقد عبرت إحداها الخط الفاصل الوسطي، مما دفع جيش تايبيه إلى استعمال طائرات "F16" لإعاقة مسار القاذفة، ويبدو وضع تايوان استثنائياً في هذه المنطقة التي تشهد توتراً متزايداً. ستكون تداعيات العصرنة العسكرية الصينية عميقة، حيث يقول محلل الشؤون العسكرية الصينية ريك فيشر: "لطالما حذّر المحافظون من أن الطموحات الصينية لا تقتصر على الاستيلاء على تايوان، وما تحاول الصين فعله في تايوان هو مجرّد نموذج عما ستفعله في نهاية المطاف لتهديد أي ديمقراطية أخرى".لمواجهة التحدي الذي يطرحه التوسع العسكري الصيني، لا بد من تكرار مقاربة الحرب الباردة، فهي واحدة من أهم جهود العصرنة العسكرية في التاريخ الحديث. تسارعت خطط تجميع الصواريخ والسفن الحربية والطائرات والأسلحة الفضائية والإمكانات السيبرانية في عهد الرئيس شي جين بينغ، ويطرح الحشد العسكري القائم منذ عقود تهديداً على أمن تايوان اليوم، ليس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ فحسب، بل في أنحاء العالم أيضاً، وقد تظهر أكبر عواقب الغزو الصيني في هذه النقطة المشتعلة تحديداً.عمدت الصين إلى تصعيد التوتر لإلهاء الجميع عن أزمة فيروس كورونا، لكن يجب أن يتخذ كل بلد على طرفَي المضيق خطوة باتجاه التنازل لتعزيز الثقة المتبادلة، وحتى الموقف الأميركي الإيجابي في حال تلبية جميع الشروط المطلوبة واستئناف الاستشارات قد لا ينجح في إقرار اتفاق جديد، وفي مطلق الأحوال تطرح العلاقات العابرة للمضيق أكبر التحديات والفرص على مستوى صمود تايوان. تملك الصين مخزوناً فيه نحو ألفَي صاروخ باليستي وأكثر من 750 طائرة مقاتلة ضد تايوان، ويستعرض الجيش الصيني قوته رداً على ثالث عملية تطلقها القوات العسكرية الأميركية في المنطقة خلال أسبوع، وفي الوقت نفسه اتخذت العلاقات الثنائية العدائية بُعداً عسكرياً مقلقاً، وإذا احتدم الوضع في مضيق تايوان، فستكون العواقب مؤلمة حتماً.في حين يُفترض أن تكثّف الصين جهودها لاحتواء فيروس كورونا القاتل، عبرت قاذفات جيش التحرير الشعبي الصيني والطائرات التي ترافقها فوق "الخط الوسطي" للمضيق، فأعاقت تايوان الطائرات بعدما كثّفت الصين عمليات طائراتها المقاتلة وسفنها الحربية بالقرب من تايوان أو عبر المضيق، مما دفع مجلس النواب الأميركي والسفارة الأميركية في تايوان إلى التعبير عن مخاوفهما من الوضع القائم. هل ستكون هذه الظروف فرصة مواتية لتعزيز التقارب العابر للمضيق أم تأجيج العدائية في المنطقة؟ تستطيع بكين وتايبيه أن تطلقا مبادرات سلام بحجة الأزمة الصحية الطارئة راهناً، علماً أن هذا النوع من الحلول لن يكون ممكناً من الناحية السياسية في الظروف العادية، ولا يمكن تجنّب احتدام الأزمة في مضيق تايوان وضمان استمرار التفاعلات السلمية هناك من دون التحلي بالحكمة والشجاعة ومن دون تركيز واشنطن على حل هذه المسألة رغم انشغالها بمحاربة الوباء المستفحل.* كانت وانغ