مع اللحظات الأولى لإعلان دخول فيروس كورونا لأراضي الكويت، دبّت حالة خاصة بين أبناء الشعب الكويتي والمقيمين على أرضه. حالة أقل ما يُقال عنها أنها إنسانية النزعة، بحيث تُشكّل ثقافة التطوع، بمعناها الأسمى، المظهرَ الأوضحَ لها. ووقوفاً عند ثقافة التطوع، يجب توضيح أوجه كثيرة للتطوع راحت يسابق بعضها بعضاً، فبدءاً بالتطوع المالي، من رجال التجارة والمال في الكويت، وكذلك بعض المؤسسات المالية، فإن ما لفت نظري هو تلك النزعة اللافتة في تطوع فئة الشباب، وحماسهم، باستعدادهم المطلق لتقديم أي شكل من أشكال المساعدة، وفي أي من مجالات العمل الصحي والاجتماعي والاقتصادي، حتى أن وحدات العمل الحكومية، وكذا الجهات الخاصة، لم تستطع أن تستوعب كل من تقدم طالباً مشاركته في التطوع، وأعدت كشوفاً بأسماء المنتظرين لانخراطهم في العمل التطوعي.الجهد الحكومي بدا لافتاً في التحرك السريع لتطويق الأزمة بمختلف جوانبها، وبدا لافتاً أيضاً أداء وتفاني بعض الوزراء، وعلى رأسهم سمو رئيس مجلس الوزراء، ومعالي وزراء الصحة والداخلية والتجارة والإعلام. وإذا كان ذلك يُعزى إلى تأدية الواجب، والبر بالقسم الذي أقسمه أعضاء الحكومة تجاه الوطن، وكذلك الترجمة الصادقة لتوجيهات حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، فإن ما يجب التوقف عنده هو هذا الحس الوطني الرفيع الذي ظهر به أبناء الوطن، بكل شرائحهم وعلى اختلاف أعمارهم، فقد راحوا يتحركون في كل الأنحاء، مخاطرين بأرواحهم لنجدة الوطن، وراحوا يقدّمون وجهاً حضارياً إنسانياً رائعاً للكويت، بتعاون الحكومة والشعب، لاجتياز محنة وباء الكورونا.
لقد كشفت أزمة الكورونا، في جميع بلدان العالم، ما كان مطموراً في تربة الوطن، من قضايا شائكة وملحّة تُوجب الوقوف اللازم عندها، وحلها بشكل يخدم مصلحة الوطن، وعلى رأس تلك القضايا: قضية العمالة الوافدة، والاختلال الكبير في التركيبة السكانية، فالكويت -منذ نشأتها- قامت على جهود أبنائها، مشاركةً مع جهود المقيمين من كل الجنسيات، وبالتالي يجب التفريق بين عمالة عربية وأجنبية مهمة لوجود الكويت وشريفة ومخلصة، تعمل في مختلف قطاعات الدولة والمؤسسات الخاصة، وهي بالضرورة تستحق الإشادة والاحترام والتقدير، وبين عمالة سائبة، عمالة لا تقدم شيئاً للكويت سوى ثقل وجودها الجاهل، وما يترتب عليه من إساءة لوجه وسمعة الكويت بين دول العالم، وأيضاً ضغطها بجهلها واستعدادها للعمل في أعمال لا تفقه فيها. ومعظم هذه الفئة جاءت بواسطة تجار الإقامة. ومؤكد أن انكشاف هذا الأمر يُعد إحدى حسنات وباء الكورونا، وأنه أزاح الستار الشفاف عن حجم وضرر مشكلة العمالة السائبة وارتباطه بتجارة الإقامة، والضرورة الوطنية الحتمية التي تُوجب التوقف الجاد عن هذه المشكلة وحلها بطريقة تضمن تعديل شيء من اختلال التركيبة السكانية.المشكلة الثانية، التي برزت بوضوح أثناء هذه الأزمة، هي مشكلة التعليم، وهي مشكلة تخص روح الكويت برِهانها على فلذات أكبادها، وهم عدة وعتاد ورجاء المستقبل. فلقد ظهر جلياً عجز وتخبط وزارة التربية في إدارة العملية التعليمية، في ظل امتداد الأزمة والحجر المنزلي، وذلك من مراحل رياض الأطفال إلى التعليم الجامعي. وإذا كانت المدارس الخاصة قد باشرت منذ الأسابيع الأولى للأزمة التدريس عن بعد، عبر دروس التعليم الإلكتروني، وهو أمر أصبح شائعاً في كل دول العالم، فمن باب أولى أن يكون حاضراً وعاملاً في دولة الكويت. لكن وزارة التربية، حتى نشر هذه المقال، ما زالت مترددة، تخطو بقدم وتتراجع بالأخرى، في اتخاذ القرار واستئناف العمل بالتعليم الإلكتروني. ولقد كان انعكاس ذلك مؤلماً على أبنائنا الطلبة، وعلى حجم الفراغ الذي أحاط بهم ولم يزل منذ تركوا مقاعد الدراسة.إذا كان وباء الكورونا قد كشف المعدن الأصيل لأهل الكويت والمقيمين على أرضها، فإنه عرّى أوجاعاً لابد من علاجها.
توابل - ثقافات
كورونا الكويت
23-04-2020