بدأ الرئيس دونالد ترامب، منذ تبرئته من التُهَم التي وجّهها إليه مجلس النواب خلال محاولات عزله، يأخذ انتقامه من كل من تحدّاه في هذه القضية، فكل مسؤول قدّم شهادته بطريقة اعتبرها الرئيس غادرة تقاعد أو استقال من الحكومة أو طُرِد من منصبه.

طرد ترامب حديثاً مايكل أتكينسون، المفتش العام للاستخبارات الأميركية، لأنه أبلغ الكونغرس، كما يفرض عليه القانون، بمعلومات أحد المخبرين حول الضغوط التي مارسها ترامب على أوكرانيا، فادعى ترامب أن معلومات ذلك المخبر خاطئة، لكنّ الشهادات في مجلس النواب أكدت صحتها بكل وضوح.

Ad

كان يُفترض أن يصبح غلين فاين، القائم بأعمال المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية، رئيساً للهيئة، لكن ترامب طرده أيضاً واستبدله بالمفتش العام من وكالة حماية البيئة، مما يعني أن هذا الأخير سيتسلم مهام مزدوجة.

يحمل سلوك ترامب رسالة مرعبة إلى الموظفين الحكوميين: يجب أن يكون ولاء الجميع له، لا للدستور ولا الكونغرس ولا الشعب الأميركي، وهذا ما أوضحه صراحةً لجيمس كومي قبل طرده من منصب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي قبل ثلاث سنوات.

لا شك أن توماس مودلي، وزير البحرية بالوكالة، كان يظن أنه يقوم بما يريده الرئيس حين طرد القبطان بريت كروزير، قائد حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ثيودور روزفلت»، على خلفية رسالته التي يطلب فيها المساعدة لإنقاذ طاقمه من فيروس كورونا.

لم تكن هوية من سرّب الرسالة مهمة على ما يبدو، سواء كان كروزير أو سواه، بل كان يُفترض أن يصبّ الاهتمام على خوف القبطان المنطقي من أن يمرض الطاقم الذي يتحمّل مسؤوليته أو يموت في حال التزم الصمت.

قام الرئيس السابق الذي تحمل السفينة اسمه بالأمر نفسه في عام 1898 لإنقاذ طاقمه من الملاريا والحمى الصفراء بعد الفوز بمعركة سان خوان هيل في كوبا، فكانت رسالته التي انتشرت على نطاق واسع كفيلة بإعادة الجنود الناجين إلى ديارهم.

في هذا السياق، كتب تويد روزفلت، ابن حفيد الرئيس روزفلت، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إن وزير الحرب كان غاضباً لدرجة أنه منع ترشيح العقيد لنيل وسام الشرف، لكنه يستاءل: «من يتذكر راسل ألغر اليوم»؟ ولن يتذكر أحد مودلي أيضاً، لكنّ جميع الناس سيتذكرون ترامب على الأرجح، نظراً إلى الأضرار التي سبّبها في المؤسسات الأميركية الأساسية.

لم يكتفِ ترامب بإسكات المخبرين واحتقار السلطات الرقابية في الكونغرس، بل كان فيروس كورونا عذراً مناسباً له كي يقمع جميع طالبي اللجوء، حتى القادمين من بلدان لم ينتشر فيها الوباء بقدر الولايات المتحدة، فهو يعارض أيضاً الاقتراحات التي تساعد المزيد من الناس في التصويت عن طريق البريد، كما أنه ألغى معايير الرئيس باراك أوباما لقياس المسافات التي تقطعها السيارات، وتعني زيادة تلوث الهواء أن يخسر الكثيرون حياتهم، كذلك تكشف التقارير الطبية أن تلوث الهواء يزيد معدل الوفيات بسبب وباء «كوفيد-19».

في رسالة إلى الكونغرس لتبرير إقالة أتكينسون، أكد ترامب ضرورة أن يثق بالكامل بالمفتشين العامين، لكنّ الأهم هو أن تحظى هذه الهيئات الرقابية الحكومية بثقة الرأي العام والكونغرس.

تفيد التقارير بأن ترامب تردد في طرد أتكينسون بسبب تحذيرات الكونغرس، لكن في هذه الحالة، يبدو أن التحذيرات لم تكن نافعة، ويُقال إن أعضاءً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي غضبوا من طرد أتكينسون وإقالة فاين، فقد تكون هذه المعلومة صحيحة، وربما يحاول البعض إقرار قانون يمنع إقالة المفتشين العامين إلا لأسباب خاصة، لكن من سيضمن أن يحترم ترامب ذلك القانون؟

تُعلّمنا هذه الظروف درساً قيّماً مفاده أن أفضل الدساتير والقوانين والمعايير الاجتماعية تكون فاعلة بقدر شخصية من نأتمنهم على تطبيقها.

يبدو أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن الأنظمة الدكتاتورية بقدر ما كنا نظن، لذا ننتظر الانتخابات في نوفمبر المقبل بفارغ الصبر!