خلت الخريطة الرمضانية من دراما الشخصيات المتفردة في تاريخ الأدب والفكر، التي سبق أن أطل بعض نجومها بحياتهم على الشاشة، وأثارت جدلاً كبيراً حول مقاربتها للجوانب الإنسانية والإبداعية لهؤلاء العمالقة. ومنذ سنوات كتب عميد الأدب العربي سيرته الذاتية في كتابه "الأيام"، ورصد خلاله مراحل صباه وشبابه، وسفره إلى باريس، والتحاقه بجامعة السوربون، ونيله الدكتوراة عن رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وظلت "أيام العميد" تراود خيال المؤلفين، لتحويلها إلى عمل درامي، ونجحت الكاتبة أمينة الصاوي والكاتب أنور محمد في صياغة رؤية درامية لمسلسل تلفزيوني من ثلاث عشرة حلقة، وقام بإخراجه يحيى العلمي في عام 1979.
وقام بدور "العميد" النجم الراحل أحمد زكي، وشارك في المسلسل كوكبة من النجوم منهم يحيى شاهين، ومحمود المليجي وصفية العمري وأمينة رزق وحمدي غيث وحسين الشربيني، وكتب أغاني "التترات" الشاعر سيد حجاب، وصاغ الألحان والموسيقى التصويرية عمار الشريعي، وغناء علي الحجار، وحقق العمل نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ولا يزال يحظى بنسبة مشاهدة عالية على مواقع الإنترنت.
كواليس «الأيام»
وكان المخرج الراحل يحيى العلمي كشف عن كواليس "الأيام" عندما بدأ التحضير للعمل، وفي ذلك الوقت ذهب مع أحمد زكي في زيارة لأسرة طه حسين، وتطرق الحديث معهم إلى الجوانب الإنسانية في حياة عميد الأدب العربي، وكيف كان يتعامل مع أهله وأصدقائه، وأسفر هذا اللقاء عن إضاءة الكثير من أبعاد تلك الشخصية المتفردة، وبعد نجاح المسلسل، أشادت الأسرة ببراعة النجم الأسمر في تجسيد شخصية العميد.قاهر الظلام
وفي العام ذاته تحمّس المخرج عاطف سالم لتقديم فيلم "قاهر الظلام"، قصة كمال الملاخ وسيناريو وحوار سمير عبدالعظيم، وتناولت أحداثه حياة طه حسين منذ طفولته في إحدى قرى المنيا، وتخطيه كافة الصعوبات رغم فقده البصر، ليترك بصمته على اﻷدب والمشهد الثقافي والنظام التعليمي، ويتبوأ مكانة رفيعة بين أدباء جيله، ويثري المكتبة العربية بمؤلفاته القصصية والروائية، وتأملاته في الفكر والفلسفة. وقام النجم محمود ياسين بأداء دور "العميد" في نسخته السينمائية، وشاركه البطولة يولاند فوليو ويحيى الفخراني وحمدي أحمد وحسن مصطفى وحسين الشربيني، وجاء اختيار ياسين لامتلاكه ناصية التمثيل السينمائي والمسرحي، بينما أحمد زكي لم يكن الخيار الأول لبطولة المسلسل، وفي البداية كان مرشحاً له النجم نور الشريف، لكنه اعتذر عن الدور، بينما زكي كان يتدرب على الشخصية من تلقاء نفسه، لأنه في الأساس كان سيقدم دور صديق طه حسين الأزهري، وبعدها طلب أن يراه المخرج يحيى العلمي الذي اقتنع به وأعطاه فرصة البطولة المطلقة لمسلسل "الأيام".وفي "قاهر الظلام" اعتمد محمود ياسين في تجسيده للشخصية على إتقانة اللغة العربية، والأداء الصوتي المميز، خصوصاً أنه التقى طه حسين في الحقيقة قبل وفاته، بينما أحمد زكي انتبه الجمهور لقدرته على تقمص روح الشخصية، وكانت حلقات "الأيام" أكثر نجاحاً لدى الجمهور من الفيلم الذي انتقده البعض، ورأوا أنه أقرب للفيلم التسجيلي.ولجأ المخرج عاطف سالم إلى الممثلة الفرنسية يولاند فوليو، لتؤدي شخصية "سوزان" زوجة عميد الأدب العربي طه حسين، وقامت الفنانة إجلال زكي بتقديم الأداء الصوتي لشخصية سوزان، ولم يتقبل النقاد فكرة الدبلجة، بينما المخرج يحيى العلمي استعان بالنجمة صفية العمري، التي أدت دور الزوجة الفرنسية، ورجحت كفة العمري.كما اعتمد مسلسل "الأيام" على السيرة الذاتية التي حملت الاسم ذاته لعميد الأدب العربي، بينما الفيلم اقتبس الخطوط الرئيسة من كتاب "قاهر الظلام" للكاتب الصحافي كمال الملاخ، واعتمد تصوير الفيلم على الأماكن الطبيعية، وذهب فريق العمل للتصوير في جامعة السوربون في فرنسا، التي تخرج فيها طه حسين، بينما مشاهد المسلسل مثل غالبية الأعمال الدرامية في ذلك الوقت "تصوير داخلي".سارة والعملاق
تتابعت موجة الأعمال المأخوذة عن حياة مشاهير الأدب والفكر، وفي عام 1979 قدم المخرج يحيى العلمي مسلسله الثاني في هذا السياق "العملاق"، قصة عامر العقاد، ابن شقيق الكاتب والأديب عباس محمود العقاد، وسيناريو عصام الجنبلاطي، ويحكي قصة وتاريخ العقاد ويتناول عصره والأدباء والشعراء الذين التقى بهم ورحلة كفاحه، وتلقي الأحداث الضوء على المناخ الفكري والسياسي في زمن العقاد ومدى تأثيره في حياته وعلاقته بمي زيادة ومحبوبته "سارة" التي كتب عنها رواية باسمها، وصداقته القوية بالأديب إبراهيم عبدالقادر المازني.وقام بدور العقاد الفنان محمود مرسي، وشارك في البطولة شهيرة في دور "مي زيادة"، وأسامة عبّاس "إبراهيم المازني"، وصفاء أبوالسعود "سارة"، وسميرة محسن "روز اليوسف"، وعبدالرحمن أبوزهرة "طاهر الجبلاوي".في حضرة الغياب
من ناحية أخرى، أثار عرض المسلسل العربي السوري الرمضاني "في حضرة الغياب"، الذي يجسد شخصية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، على شاشة تلفزيون فلسطين الرسمي، جدلاً واسعاً ولاقى ردود فعل سلبية في الشارع والأوساط الفلسطينية الثقافية والأكاديمية.المسلسل من إنتاج وتمثيل الممثل السوري فراس إبراهيم وإخراج نجدت أنزور، وعرض للمرة الأولى في أغسطس 2011، ويتناول سيرة درويش منذ نشأته وحتى اشتراكه في المقاومة، بالإضافة إلى الجانب الفني في حياة الشاعر الراحل.ولم تقتصر ردود الفعل السلبية على بيان تنديد واستنكار وصفحة إلكترونية على موقع "فيسبوك" رأت مؤسسة محمود درويش الفلسطينية أن هذا العمل الدرامي بمثابة إساءة لمكانة الشاعر الراحل الثقافية والوطنية.جدل نزار قباني
وبالمثل، أثار المسلسل السوري "نزار قباني" للمخرج باسل الخطيب، جدلاً كبيراً في الأوساط الثقافية، وقام بدور الشاعر نزار قباني في شبابه الممثل السوري تيم حسن، وأدى دوره في شيخوخته سلوم حداد، وشارك في العمل أسعد فضة وصباح الجزائري وقمر خلف ورنا أبيض وطلحت حمدي وتاج حيدر، فيما جسَّد شخصية نزار طفلاً مجيد باسل الخطيب، وقامت بغناء الشارة الفنانة السورية أصالة.أزمة «الفاجومي»
وانتقلت أزمات السير الذاتية إلى الشاشة البيضاء، عندما عُرض الفيلم المصري "الفاجومي" عام 2011، تأليف وإخراج عصام الشماع، وبطولة خالد الصاوي وصلاح عبدالله وجيهان فاضل وكندة علوش. ويحكي قصة حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم أحد أشهر شعراء العامية المصرية، وتمر أحداث الفيلم باعتقاله وسجنه خلال حكم ثلاثة رؤساء لمصر، وعلاقته برفيق دربه المغني والملحن الشيخ إمام، وأهم القصائد التي كتبها ولحنها إمام.وفي ذلك الوقت شنّت الكاتبة صافيناز كاظم، الزوجة السابقة للشاعر أحمد فؤاد نجم، هجوماً شرساً على فيلم "الفاجومي" ووجهت نقداً لاذعاً لصنّاعِه، واتهمتهم بالإساءة إلى نجم كشاعر وإنسان، وتضامنت معها مجموعة كبيرة من الأدباء والفنانين، حيث اعتبروا أن هذا الشريط السينمائي منافياً لحقيقة الحياة التي عاشها هذا الشاعر، ودوره في الحركة الشعرية والإبداعية على مدى نصف قرن.الآنسة مي
وفي هذا السياق لأزمات الدراما المأخوذة عن سير المشاهير، تأجل تصوير مسلسلات عدة عن حياة الأديبة "مي زيادة"، ومنها المسلسل اللبناني "الآنسة مي" للمخرج يوسف الخوري، بعدما رُصدت له ميزانية ضخمة، وبوشر العمل فيه خلال عام 2011، ورشحت لدور البطولة الفنانة نور ومجموعة من النجوم، ولأسباب غير معلومة، توقفت هذه المشروعات الدرامية، ولم تُعرض على الشاشة حتى اليوم.