أزمة النفط تختبر براعة فلاديمير بوتين في استعراض القوة

نشر في 24-04-2020
آخر تحديث 24-04-2020 | 00:00
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  - الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستسلام تحت الضغط، وتلك مسألة تتعلق بالكرامة بالنسبة اليه كما أنها تمثل جانباً من شعبيته في أوساط النخبة والعامة في روسيا على حد سواء، ولكن العقبة تكمن في الحفاظ على تلك السمعة في العالم الحقيقي حيث يسيء القادة بصورة روتينية تصرفات الزعماء ويرفضون الاعتراف بالأخطاء، ويوفر الهبوط في أسعار النفط بسبب وباء كورونا المستجد وانهيار اتفاقية أوبك– بلاس حول اتفاقية خفض الإنتاج أحدث الاختبارات في هذا الصدد.

وفي مطلع شهر مارس الماضي دعت السعودية الى اجتماع لمجموعة أوبك– بلاس من أجل الاتفاق حول إجراء المزيد من تخفيضات الإنتاج بنسبة مليون ونصف المليون برميل في اليوم بغية دعم أسعار النفط مع انتشار وباء كورونا المستجد الذي أسفر عن انهيار النشاط الاقتصادي والطلب، لكن روسيا أحبطت تلك الخطوة، وبحسب المتحدث باسم روسنفت وهي الشركة النفطية الكبرى التي يديرها إيغور سيشن المقرب من الرئيس بوتين فإن "هذا الاتفاق غير منطقي من وجهة نظر المصالح الروسية، وإخراج النفط العربي والروسي الرخيص من أسواقنا يعني أننا نمهد السبيل لقدوم النفط الصخري الأميركي الغالي الثمن"، وقد أرادت موسكو الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية لعدة أشهر بغية تحقيق منطق أفضل للتبعات الاقتصادية لانتشار وباء كورونا المستجد قبل أن تقرر التوجه نحو مزيد من الخفض، وعندما حدثت تلك التخفيضات أرادت التأكد من تحمل الولايات المتحدة لنسيبها العادل منها.

الأسباب الأخرى

وكان لدى موسكو أسبابها الأخرى أيضاً من أجل توجيه ضربة إلى قطاع الطاقة الأميركي، وفي العام الماضي فرضت واشنطن عقوبات على السيل الشمالي 2، وهو خط أنابيب استراتيجي للغاز يمتد بين روسيا وألمانيا، ودفعت بذلك الى تأجيل إتمامه لعدة أشهر على الأقل إضافة إلى زيادة تكلفته في وقت كان النفط الصخري الأميركي يدخل الأسواق الأوروبية، وفي الآونة الأخيرة أيضاً فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة فرعية لروسنفت وهي "روسنفت تريدنغ" بحجة مساعدتها نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على الالتفاف على القيود الأميركية المتعلقة بصادرات النفط الفنزويلية.

ولكن موسكو لم تتوقع ردة الفعل السعودية على رفضها الموافقة على مزيد من التخفيضات، كما أسفر تهديد السعودية بفتح خطوط الإمداد وعرض خصومات كبيرة على صادراتها من النفط الى خفض أسعار الخام الى مستويات متدنية لم نشهدها منذ عقود من الزمن، وهكذا بدأت حرب الأسعار، وكان لدى السعودية القدرة على إضافة مليونين ونصف المليون برميل من النفط يومياً، ولدى روسيا القدرة على طرح 300 ألف برميل، لكنها على الرغم من ذلك لم تتجاوب واستمرت في الرفض، وعلى الرغم من اعتماد موسكو على النفط في ثلثي دخلها من الصادرات و40 في المئة من دخل ميزانيتها أعلنت وزارة المالية الروسية أنها تستطيع تحمل هبوط أسعار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل مدة عشرة أعوام، وستسحب من صندوق الثروة الوطني الذي يحتفظ بنحو 150 مليار دولار من أجل تغطية النقص في الميزانية التي حددت سعر البرميل عند 42 دولاراً، وكانت تلك مبالغة بكل تأكيد وستعاني صناعة النفط الروسية نفسها من ضرر فادح في المستقبل القريب إذا تعطل إنتاج آبار النفط، وعلى الرغم من ذلك كله فقد بعثت الوزارة برسالة لا لبس فيها بأن موسكو لن تتراجع.

تحديات تواجه بوتين

وعلى الرغم من هذه الصورة فقد أثار انخفاض أسعار النفط تحديات خطيرة أمام الرئيس بوتين على الصعيد الداخلي، وفي وقت مبكر من هذه السنة شدد بوتين في خطابه حول حالة الاتحاد على عزمه على تحفيز الاقتصاد الروسي ورفع مستويات المعيشة التي تراجعت إلى حد كبير خلال الأعوام الستة الماضية، وأسهمت تلك الظروف الاجتماعية الاقتصادية القاتمة في زيادة استياء المواطنين في شتى أنحاء البلاد، وقد تجلى ذلك في احتجاجات شعبية على شؤون التعليم والصحة وانتشار الفساد الرسمي وعدم الكفاءة.

لكن تلك الموجة من الاستياء لم تبلغ درجة تهدد الرئيس بوتين على الرغم من حذر الكرملين تاريخياً من الاستياء الجماهيري، حيث أسفرت احتجاجات العمال عن سقوط النظام في عام 1917 وعن انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991.

تداعيات كورونا المستجد

ومن المحتم في الوقت الراهن أن تفضي تداعيات انتشار وباء كورونا المستجد الاقتصادية العالمية الى تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي، كما أن الانهيار الطويل في أسعار النفط سيدفع الاقتصاد نحو ركود بشكل شبه مؤكد، وكانت حصيلة تلك التطورات تبخر وعود الرئيس بوتين الذي يحتاج في هذه الظروف إلى زيادة واستقرار أسعار النفط، ولكن السؤال هو كيف يمكنه القيام بذلك من دون أن يظهر أنه خضع للضغوط السعودية أو الأميركية؟

وقد أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين الفرصة التي كان يتطلع اليها عبر وصفه انهيار الأسعار "بالخفض الكبير في الضرائب"، ولكن في نهاية شهر مارس غير ترامب من نبرته تحت ضغط من جانب قطاع النفط في الولايات المتحدة، ثم انطلق في محاولة لإقناع السعودية وروسيا في الموافقة على تخفيضات كبيرة في الإنتاج.

وفي 31 مارس اتصل ترامب بنظيره الروسي من أجل مناقشة أزمة وباء كورونا المستجد وأسواق النفط والسعي الى الخروج من حرب الأسعار والوباء.

وفي اليوم التالي أرسلت روسيا طائرة محملة بمساعدات طبية وإنسانية الى نيويورك لتظهر من جديد أن الولايات المتحدة– وليس روسيا– في حاجة الى مساعدة، وبعد ثلاثة أيام أعلن الرئيس بوتين أن روسيا مستعدة للعمل مع السعودية والولايات المتحدة من أجل استقرار أسواق النفط.

وقال إن الإنتاج يمكن أن ينخفض بما يصل الى عشرة ملايين برميل يومياً كما أيد فكرة عقد اجتماع آخر لمجموعة أوبك بلاس من أجل تحديد التفاصيل، وفي ما يتعلق بروسيا كانت التخفيضات في الإنتاج النفطي الأميركي هدفاً رئيساً لموسكو منذ اندلاع الأزمة وطالبت بجعله جزءاً من الاتفاق.

في غضون ذلك، برزت روايتان حول حرب أسعار النفط في وسائل الإعلام الروسية، وتحدثت الأولى عن عزم السعودية على إخراج النفط الصخري الأميركي من الأسواق عن طريق خفض الأسعار، وأشارت الرواية الثانية إلى أن حرب الأسعار كانت منذ البداية مؤامرة سعودية– أميركية تهدف إلى تقويض قطاع النفط في روسيا عبر مزيج من خفض الإنتاج والعقوبات، وتنفي الرواية الأولى أي دور سيئ لروسيا ضد الولايات المتحدة فيما تصور الرواية الثانية روسيا على شكل ضحية بريئة.

مستقبل أسعار النفط

ليس من المؤكد على الإطلاق أي مسار ستسلكه أسعار النفط خلال الأشهر القليلة المقبلة، وقد لاحظ دانييل يرغين وهو خبير بارز في قطاع الطاقة العالمي في تعليق نشرته مجلة فورين أفيرز أن أسعار النفط ربما تنخفض في أواخر شهري أبريل ومايو نتيجة هبوط الطلب، وتجدر الإشارة إلى أن الخفض الذي توصلت إليه منظمة أوبك بلاس (9.7 ملايين برميل في اليوم) ليس كافياً من أجل منع الهبوط في الأسعار.

وفي هذه الأجواء يصبح من المحتم هبوط إنتاج الولايات المتحدة– كما تريد موسكو– ولكن ذلك سينسحب على الإنتاج السعودي والروسي وإلى مستويات قد تتجاوز ما تم التفاوض عليه وإذا لم يحدث ذلك عبر مزيد من المفاوضات فستفرضه ديناميكية السوق، ومما لا شك فيه في كل الأحوال أن فترة عصيبة سيشهدها العالم، ولكن بالنسبة إلى روسيا، وعلى الرغم من سوء التقديرات الأولية، سيبرز الرئيس بوتين في صورة القائد الحاسم البناء الذي نجح في مواجهة الأزمة وأدى دوراً أفضل من نظيره الأميركي والأهم من ذلك كله هو أنه لم يذعن للضغط.

• توماس غراهام

من المحتم في الوقت الراهن أن تفضي تداعيات انتشار وباء كورونا المستجد الاقتصادية العالمية إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي

رغم اعتماد موسكو على النفط في ثلثي دخلها من الصادرات و40% من دخل ميزانيتها أعلنت أنها تستطيع تحمل هبوط أسعاره إلى 25 دولاراً للبرميل 10 أعوام
back to top